قراءة في رواية «السيمفونية الأخيرة» لأشرف العشماوي

قراءة في رواية «السيمفونية الأخيرة» لأشرف العشماوي

د. خالد عزب

خالد عزب

لا يكف الروائي أشرف العشماوي عنطرق موضوعات جديدة في رواياته، وفي روايته الأخيرة التي لها سياقات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وهذا ما يجعل منها رواية مختلفة نسبيا، بناء الأحداث فيها متماسك وهي تقدم تاريخيا لمصر عبر الحبكه الروائية، الرواية التي صدرت عن الدار المصرية اللبنانية تدور أحداثها في مرحلة بالغة الأهمية من تاريخ مصر المعاصر، منخلال موظف في إدارة المراسم عمل لسنوات بمعية الرئيسين السادات ومبارك، فاقترب بما يكفي شاهدا علي كواليس عصر كامل، تكشف الرواية في واقعية مشوقة عن مرجلة الأنتقال من دهاليز المراسم إلي أروقة السلطة، حيث تدار الأمور في صمت محكم، وتحاك المؤمرات بدهاء، هذه الرواية عن إنسان عادي حين تفتك به سلطة المناصب، وتمزقه التناقضات ويظلله الخوف، وبين قسوة تربي عليها منذ طفولته، ورقة الموسيقي التي يجيد عزفها علي ألهة الكمان، يحاول أن يجد خلاصه، لكن كل نغمة يعزفها علي ألة الكمان تغدو مرأة لجراحه ومرثية لأحلامه، وكل لحن يؤلفه يتحول إلي قناع يخفي وراءه خوفه العميق ” السيموفونية الأخيرة” رحلة تأملية جريئة إلي أعماق النفس البشرية، عبر عن ذلك في الرواية كما يلي: خرجت الموسيقي شجية كأنها تطلب المغفرة لم يعزف كما اعتاد، ربما الألم بداخله هو الذي يدفعه يعيد سرد حياته بالموسيقي، كل نغمة أشبه باعتذار لم يقله، كل ارتفاع بالقوس علي أوتار الكمان أشبه بحب لم يعشه، كل توقف يجسد قرار لم يتخذه طوال حياته، استمر يعزف لكن ما خرج من الأله بعد برهة قصيرة لم يكن موسيقي إنما صوت مبحوح، كأن الكمان يذوب والقوس يجرح الخشب ولا يعانق الأوتار.

ثم يسرد لنا الراوي حياة بطل الرواية كما يلي: مرت أمام عينيه صور جدته، وزجته، والرئيس مبارك ثم دينا وباهر سعيد معا، مر وجهه القديم، ذلك الشاب الوسيم الذي كان يقف في الظل،سواء خلف الرئيس أو أمامه، الضابط سلطان في إدارة الاستجوابات، العازف أنور سليم في المكان نفسه علي مسرح الجمهورية، الرجل الذي عاش يراقب الحياة ولا يشارك فيها، ها هو ذا الأن في الصدارة، وكل الأضواء مسلطة عليه، والباقون مجرد ظلال تصفق له بحرارة، لكن بعد فوات الأوان.

الرواية تحمل تناقضات المواقف منها ما تقدمه الرواية علي النحو التالي: ولي زمن الانحناءه التي كان يؤديها أمام الملوك والرؤساء والسفراء، تلك المحسوبة بالمليمتر، الموزونه بالهيبة والأحترام التي تدرب عليها طيلة سنوات عديدة، الأن حل محلها أخري، أقسي وأشد برودة مما كان يفعلها أمام الرئيس، وأمام جمهور مسرح الجمهورية حين ترك عمله في الرئاسة ليصبح موسيقيا ذائع الصيت، حين تحولت مهمته للتحقيق مع أخرين، تغيرت شخصيته ظن أن الإنسان يعاد تشكيله بالتدريج، مثلما تنحت الريح الحجر عبر الزمن، لكن ما حدث كان بالنسبة له أقرب لزلزال صامت.

ومن مظاهر تغير شخصيته وطبيعتها مع تغير أماكن عمله، يذكر الرواي عن بطله: لم يعد يطرق الأبواب كما كان، صار يفتحها دفعة واحده كمن لا ينتظر إذنا، خطواته لا تحدث صوتا لكنها تترك أثرا، من بعيد يبدو كضابط صارم قاسي القلب، ومن قريب يبدو وديعا كأنه فرغ توا من عزف لحن مبهج.

لكن أيضا يرصد الراوي تحولات شخصية بطله وما يصيبها مما يبعث علي التساؤل يذكر الراوي: لا أحد يفهم سبب صمته المطبق الذي حل به، لم يكن صعب المراس لكنه لا يمنح أحدا راحة بسهولة، نظرته وحدها كافية لتكسر دفاعات أي مخلوق مع أنه لا يؤذي أبدا، هذه الرواية تحتاج إلي قرائتها من زوايا متعددة فهي تمثل أنضج ما كتبه أشرف العشماوي، بالتالي هي نقله نوعيه فيما قدمه من سرد إلي الأن، لكنها بصورة كبيرة مزيج من معطيات عديدة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.