مسيرة أكثر طولاً وإيلامًا

مسيرة أكثر طولاً وإيلامًا

اللوحة: الفنان الألماني لودفيج كيرشنر

محمد محمود غدية

 مضت ايامه خيط من الشقاء، يصل اليوم باليوم، يرى ان الحياة، وزعت ثروتها من السعادة على الجميع دونه، حتى الفرح لم يمهله الوقت، للتمتع به ولو قليلا، يأتي ويذهب سريعا كالبرق.

شرد في ليل العالم الواسع، مثل طير مكسور الجناح، صفير القطار يرتفع حادا، لمسيرة أكثر طولا وايلاما، تلملم الشمس اثوابها، في مسيرة افولها الصامتة، لتبدأ ظلال الاشياء، في الاتساع والدكنة، فوجئ بدمعة تتشكل في عينيه، امسك بها حتى لا تتسلل الى الممر وتفر، وقتها لن يستطيع الامساك بها، كل المصابيح حوله مطفأة، حتى مصابيح القطار مغبشة، هل يمكن اختصار اقامته في هذا العالم، قبل ان يتسع وقته لكتابة وصيته؟

 يبحث بين الركاب، عن عواطف طيبة نبيلة، يذوب فيها ويأنس بها، لا يجدها، بدلا منها يجد طلاء كاذبا، ومسكات ذئاب، وعش زنابير يتهيأ للدغ!

لا شيء سوى ضباب، ضارب الى صفرة، يحجب البيوت، واعمدة الهاتف والكهرباء، ولافتات الإعلانات. 

لا يتذكر ما جرى خلال الليل، ولا في النهار، يحصى الدقائق والساعات، ويجمع ضوء الفجر، مخافة ان لا يأتي.

 طلب فنجان قهوة يحتسيه، ليشاركه غربته ووحدته، بعدها القى بنفسه في مقطورة النوم، تطفو المرئيات حوله، وظلال الصبح الرمادي، مثل حلم حزين، ما يلبث ان ينساه فور استيقاظه، وهذه فائدة ترجى، وتبقى الدموع مجهولة الينابيع، تغطى وجهه، وثيابه، احساس مرير برحيل الاشياء الجميلة، وانزلاقها فوق برك الوعى الغائب، كأن احدهم القى بدلو ماء بوجهه، تذوق ملوحته، ليتأكد انه ليس بماء، لكنها الدموع التي أغرقته.

كان لابد من كسر باب المقطورة، حين لم يتلقوا ردا.

وجدوه ممددا، يوحى منظره بالحدة والجدية والتجهم، وقد جمد وخمد.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.