اللوحة: الفنان الجزائري صالح المقبض
ماهر باكير دلاش

إذا نظرت إلى العالم من زاوية الفهم الإسلامي، فستدرك أن كل شيء في الكون ليس مجرد ظاهرة عشوائية، بل هو نتاج لحكمة ربانية محكمة، لا نعلم منها إلا ما شاء الله لنا أن نعلمه. وقد يقول قائل: “الفيل لا يبيض”، وهكذا نُسجت هذه المقولة، كأنها حقيقة لا تقبل النقاش، وهو ما يثير فينا سؤالاً فلسفياً: هل هذا الفهم البسيط هو فقط الواقع، أم أن وراءه حكمة أعمق تستحق التأمل؟
إن الفكرة التي تروج لها هذه المقولة البسيطة قد تكون في ظاهرها مجرد حقيقة علمية، لكنها في العمق قد تكون دعوة للفهم الفلسفي الذي لا يتوقف عند السطح. من منظور إسلامي، نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد خلق كل شيء في الكون بعناية، و”كل شيء خلقه بقدر”. هل يعقل أن الفيل، كائن ضخم مهيب، لا يمتلك قدرة أن يبيض في عالم مليء بالمعجزات؟ بالطبع، لا! لكن المعضلة تكمن في الطريقة التي نفهم بها الحقيقة.
عندما يقولون: “الفيل لا يبيض”، يتبادر إلى أذهاننا سؤال آخر: لماذا هذا التحديد؟ لماذا يقتصر الفهم على ما نراه بأعيننا؟ قد يكون الهدف من هذا الفهم المحدود هو دعوتنا لفتح أبواب العقل، والتفكير فيما وراء المألوف. الفيل لا يبيض؟ حسنًا، ربما، ولكن هل الفيل هو الحقيقة الوحيدة التي نراها؟ أم أن هناك نظامًا أعمق يتجاوز إدراكنا البشري؟
من المنظور الإسلامي، عندما قال الله في القرآن الكريم: “ما فرطنا في الكتاب من شيء”، فهو يشير إلى أن كل شيء في هذا الكون يحمل معنى، ولو لم نكن قادرين على فهمه في اللحظة الحالية. الفيل لا يبيض ليس بسبب نقص في خلقه، بل لأن الله اختار له هذه الطبيعة التي تلائم دوره في النظام الكوني الذي لا نعلم عنه سوى جزء يسير. إذا كان الكون مليئًا بالتنوع والاختلاف، ألا يحتمل أن تكون هناك معجزات وعجائب لم نكشفها بعد؟
تُظهر لنا هذه المقولة الهزلية في الحقيقة أننا كبشر، وفي سعينا المستمر لتفسير الطبيعة، نحب أن نضع حدودًا لنفهم الأشياء. وقد يكون هذا هو منبع الفكر الفلسفي الإسلامي، الذي يدعونا إلى أن نتجاوز الفهم المحدود للأشياء ونتأمل في كمال الخلق وجلاله. فكما أن الله خلق كل شيء في الكون بمقدار، فإن الفيل لا يبيض لأن هذه هي إرادة الله، ولأن وراء ذلك حكمة لا نعلمها.
وفي هذا الصدد، يمكن أن نفكر في الفيل كرمز للوجود الإنساني نفسه. نعيش في عالم مليء بالتساؤلات، ونعجز أحيانًا عن فهم سر الكون وحكمة الخلق. ولكن كما أن الفيل لا يبيض في نظرنا، فإن هذا لا ينفي كمال خلقه. ربما هذا هو دعوة لنا لكي نتحلى بتواضع الفكر، ونعترف بأن هناك أمورًا في هذا العالم لا نستطيع أن نفهمها بالكامل. فالحكمة الإلهية أبعد من قدرتنا على الاستيعاب، وكل شيء في هذا الكون يحدث وفقًا لإرادة الله، سواء فهمنا ذلك أم لا.
لعل هذه الفكرة تذكرنا بكلمات الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): “الناس أعداء ما جهلوا”، فكلما جهِلنا شيئًا، نبادر إلى الحكم عليه، ونحاول فرض رؤيتنا عليه. لكن الحقيقة تكمن في تقبلنا لفكرة أن كل شيء في هذا الكون يحمل حكمته الخاصة، سواء في الفيل الذي لا يبيض أو في أي شيء آخر من صنع الله.
في النهاية، قد يبقى “الفيل لا يبيض” حقيقة علمية في نظر البعض، ولكن في الفلسفة الإسلامية، هو دعوة لتوسيع الأفق الفكري، وفهم أن الكون بأسره يسير وفق نظام إلهي، يترجم في كل لحظة من لحظاته لحكمة قد تعجز عقولنا عن إدراكها، وإن كان الفيل لا يبيض، فقد يكون ذلك جزءًا من كمال الخلق الذي لا ندركه إلا بالتسليم لله تعالى وحكمته.