اللوحة: الفنانة السورية لبنى ياسين
بعد الطلاق، لا يعود الناس كما كانوا مرة أخرى، يفقدون جزءا من روحهم ويأخذون معهم جزءا من روح من أحبوا، ويزيدهم ذلك بؤسا.. هذا يحدث إذا لم نسمح لأرواحنا بالشفاء بعد الطلاق.
ذات مرة رأيت صورة تركت في ذاكرتي طيفا لا ينسى، رجل وامرأة مستلقيان في سرير يحتضن بعضهما البعض وثمة جذور كثيرة متشابكة تخرج من قلبه وروحه تدخل وتتفرع في جسد المرأة وكانت الجذور نفسها تخرج من روحها وقلبها وتنمو في جسده. كم كانت رمزية تلك الصورة! لكنها تعكس الجوهر الحقيقي لتلك العلاقة، علاقة الحب والزواج، فعندما نحب شخصًا ما حقًا، وعندما نعيش معًا لفترة طويلة، فإننا ندع الجذور تنمو وتتشابك مع بعضها البعض. ثم نسمي ذلك “عادة أن نكون معًا”، لأنه عندما يتلاشى الشغف ويبدو أن الحب قد ذهب، نجد أننا مازلنا نبقى معًا ويمكننا العيش هكذا لبقية أيامنا، وهو ببساطة تحول الحب إلى شكل مختلف.
ولكن متى تفسد هذه العلاقة؟ عندما تبدأ جذور الشخص الآخر التي نمت فينا في تسميمنا، ويحدث هذا عندما يبدأ شريكنا في التعبير بعدوانية وغضب، وتوجيه استياءه تجاهنا، عندما يظهر العتاب والشكاوى التي لا نهاية لها؛ فيسبب ذلك لنا ألما لا يحتمل؛ فيبدأ التفكير في الانفصال، وتتغير موازين حكمنا على حياتنا المشتركة وكيف سيكون مصيرها.
عندما نحب، نريد أن نكمل علاقتنا مع من نحب حتى لو اشتعل الخلاف، نتمسك بالأمل أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأن علاقتنا ستنجح. أحيانا يفلح الزوجين ويتغلبا على الصعوبات ويستمرا سويا، وأحيانا لا يفلح الأمر،
فيصبح الألم النفسي لا يطاق، فنحن غير قادرين على حفظ العلاقة و وغير قادرين على طلب الطلاق.
الطلاق.. الانفصال.. الفوضى.. التمزيق.. قطع الاتصال والأواصر.. بالأحرى قطع ما ربطنا من جذور روحية كانت تنمو مع الوقت.
الطلاق مثل سكين تقطع شيئا حيا، شيئا عزيزا قريبا. شيئا ممتدا ومتجذرا في الأعماق. يا الله! كم هذا الأمر مؤلم حد الهلع! وهنا، يكشف الطلاق عن مجموعة كاملة من المشاعر السلبية، مثل: الاستياء، القلق، خيبة الأمل، الكراهية، الشعور بالذنب، بالعار، بالغضب، والعجز، والاحتقار، والخذلان وغير ذلك الكثير.
الطلاق مؤلم، محزن، لا يطاق!
حتى وإن بدا أن كل شيء أصبح من الماضي، وأن كل شيء قد انتهى. عاصفة من العواطف المتضاربة، تتآكل أجسادنا وأرواحنا بصدأ المعاناة.
أعرف طعم هذا الشعور. أتذكر أصابع باردة للألم الخانق على حلقي عندما لم أستطع التنفس، ولم أستطع الصراخ، وبدا أنني لم أستطع النجاة،
أتذكر أفكارا سوداء، ومشاعر الندم التي تأتي بعد ذلك، وعندما تهدأ المشاعر، وتحاول بدء علاقة جديدة، تبدأ في مقارنة كل الخاطبين الجدد معه – مع حبيبك السابق.
ما الذي يفٓرِق الناس ويخرجهم من عائلاتهم، ويقسمهم على جوانب مختلفة من حواجز الحياة؟ هذا لغز فيه العديد من الأمور المجهولة، والعديد من الإجابات. كل شخص لديه الأسباب التي تخصه، ولكن من الأسباب التي وردت رسميا في محاكم الطلاق:
عدم توافق الشخصيات، التدخل في الحياة من الحما أو الحماة، لا يوجد مزيد من الحب، عدم الرضا الجنسي، نقص الدعم المالي، إدمان الكحول، سوء معاملة، الخيانة، وأسباب أخرى.. هذه الأسباب ليست إلا تعبيرا عن عدم القدرة على التعايش السلمي والتسامح والراحة مع شخص آخر، عدم القدرة على النمو والعمل على الذات وعلاقات المرء. في الواقع، يمكن شفاء كل من الأسباب المذكورة أعلاه، وبعضها بالتأكيد سيأخذ وقتا، ولكن لا يزال كل شيء يمكن شفاءه بمساعدة العمل الواعي، ودعم الأسرة، والعلاج النفسي. ودعونا نتحدث بصدق عن كيفية إدراك الطلاق الآن، ونطرح على أنفسنا بعض الأسئلة: هل كان يمكنك القيام بالأشياء بشكل مختلف؟ ماذا يمكن أن تتعلم للحفاظ على العلاقة وتحسينها؟ ما الدرس الذي تعلمته روحك في تلك العلاقة؟ وهل يمكنك استعادتها؟
