العصفورة

العصفورة

حنان عبد القادر

اللوحة: الفنان المصري حسين بيكار

على غير هدى، تتفقد “فاترينات” الشارع، صخب يأتي من عالم آخر، استوقفها أحد المحال،موسيقا هادئة مطعمة بزقزقة العصافير.. سعادة يلفها شجن.

باغتها عوده الفاره في الجلباب الأبيض، كأنه هو.. صديق العصافير وسمير طفولتها، يحبها مثلما تحبها وأكثر.

 قال لها عندما طارحته رغبتها في اقتناء إحداها: “إن العصافير تحب الحرية، وتكره من يحرمها إياها”.

 طلبت من جدها عصفورة، وعدها ولم يفِ.. خاصمت طعامها وصالحت البكاء حتى رف قلب “صلاح” رقة.. لم تكن تناديه إلا باسمه، وهو، كان يحب حروف اسمه على شفتيها الصغيرتين؛ رغم أنه أحيانا يداعب أذنها قائلا: “ياعفريتة.. قولي مرة يا خالو..!” 

عزفت أوتار رقته: 

  • صلاح.. أريد عصفورة.
  • “حاضر”.

منذ رحيله في الصباح تنتظره؛ حتى غلبها النعاس؛ فنامت في حجرته.

في هدوء.. ربت رأسها.. تعلقت في رقبته صائحة: أين عصفورتي..؟؟.

 قال: احزري..؟!

لاحظت إخفاءه شيئا أغلق عليه جيب جلبابه في حذر.

  • أتخفي عصفورتي في جيبك ؟!.. أرني.. أرني.. أرني…. 

 ظلت تجاذبه ما يخفي، وهو يتجاوب مع شقاوتها اللذيذة مفلتا عن قصد يده لتنطلق العصفورة في فضاء الحجرة… 

  • صرخت: طارت.. امسكها… أريدها في يدي.. !

ظلت العصفورة تحلق في سماء الحجرة مذعورة.. وهي تدور تحتها مسرورة، تتصايح وتقفز في براءة، وهو بطوله الفارع، وقده الممشوق، يحاول الإمساك بعصفورتها ذات الألوان الزاهية؛ لكنها انطلقت إلى سماء الحرية.

  • عصفورة تعشق حريتها، سأحاول لأجلك وهيهات لها أن تفلت.. “قالها مطمئنا الصغيرة”.

قفز خلفها بجلبابه الأبيض الفضفاض، رافعا يدا إليها، والأخرى مفرودة كالجناح تحفظ توازنه في الهواء؛ فكان أشبه بملاك يسبح في عنان السماء ممسكا بجناح عصفورة.

ظلت تنتظر هبوطه أرضها كثيرا، ولا يكف عن التحليق أبدا، كأنما شغله حب العصافير عن حبها، كلما سألت عنه لا تجد من يجيب.. قالوا: إنه يعيش الآن بعيدا في السماء، يسكن حديقته الكبيرة، يأكل من خيرات الله، ويمرح مع عصافير الجنة.

 لم يتبق منه إلا برواز زجاجي يتصدر واجهة حجرته، زين أحد أركانه بشريط من الساتان الأسود، كتب أسفله: “الشهيد صلاح… أكتوبر 73”.

كثيرا ما كانت تقبع في حجرته، تتفقد أركانها ساهمة، يتناهى إليها صوت ضحكاته المرحة،ومداعباته اللذيذة فتردد: صلاح.. خذني معك يا صلاح.. !!

تطلق ناظريها في رحاب صورته؛ فتراه بعين وجدانها.. ملاكا.. يفرد جناحيه متأبطا جناح عصفورتها.. في زرقة سماء لانهائية.   

رأي واحد على “العصفورة

  1. قصة لا تكتبها إلا شاعرة
    حس مرهف في جمل رشيقة
    تحمل القصة على أجنحة ترفرف بنا
    في عوالم شفيفة…
    إستمتعت جدا بقصتك الرائعة أ. حنان
    ولكن ولتسمحي لي وجهة نظر في ختام القصة..
    كنت أتمنى أن تنتهي القصة عند ” الشهيد صلاح…حرب ٧٣ ”
    وأن تجعلي الفقرتين – اللتين جاءتا بعدها – يسبقانها في السياق..فقد شعرت أن ذروة الحدث ولحظة التنوير عند تلك الجملة التي أشرت إليها..
    وفي النهاية هي مجرد وجهة نظر من محب للقصة.
    مع تقديري واحترامي.

    إعجاب

اترك تعليقًا على حسام القاضي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.