د. حسن الزيدي
اللوحة: الفنان الأميركي يعقوب لورانس
اولا- الفكر السياسي او الأفكار السياسية تعني الآراء والأفكار والاجتهادات والنظريات والفلسفات والاستراتيجيات الفردية والحزبية والجماعية التي تتبناها وتعمل من اجلها جماعات (حزبية) صغيرة وكبيرة تتخذها إدارات وسلطات محلية اقليمية ووطنية في مرحلة معينة متباينة الأزمنة. أي انها ليست قيما ومبادئ جامدة بل تتطور وتتبدل طبقا لطبيعة المجتمع الذي يتبناه.
ثانيا- بحكم تباين البلدان جغرافيا واقتصاديا وتاريخيا. فقد ظهرت أفكار واراء وفلسفات في كل منها تعبر عن بيئاتها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية وانظمتها السياسية.
ثالثا- الأديان جميعها.. كانت ولا زالت فلسفات روحية اقتصادية واجتماعية إصلاحية وضعت على انها قيما ومبادئ ووصايا وحكما ومواعظا، عبرا ارشادات اخلاقية سماوية (غير ملزمة) لإقناع الناس من خلال الترغيب والترهيب على الايمان والاقتناع بانه (يوجد كائن غير محدد وغير مرئي وله أسماء عديدة بكل لغات البشر) هو خالق ومنشئ وصانع كل شيء من سماوات وشموس ومحيطات وبحار ذات مياه مالحة وانهارا عذبة مليئة بأنواع الحيوانات المائية وأراض متنوعة بين بخيلة جدباء وكريمة معطاءة، فيها أنواع الأعشاب والنباتات والاشجار والطيور والحيوانات التي منها (الانسان) الذي هو أكملها وأرجحها عقلا وبصيرة. كما انه (الخالق) وضع مكافئات روحية ومعنوية هي (الجنة) (بعد الموت) للمؤمنين والمخلصين والنزيهين والعاملين والعادلين من النساء والرجال و(جهنم) كعقوبة روحية ومعنوية بعد الموت لمن يخرج ويتمرد على القيم الأخلاقية. والتكريم والعقاب يتم بعد الموت وليس في الحياة التي لها متطلباتها منذ الولادة (الاكل والشرب والسكن والعمل والصحة والتعلم والامن الخ). أي ان الانسان يحتاج لمتطلبات يومية طالما هو على قيد الحياة حتى لو كان كفيفا أو أصما وأخرسا وأعرجا وغبيا وكسولا، مثلما يحتاج الانسان الاخر الذي ليس فيها عور. ولا يوجد انسان مثالي بل هناك الاناني والغيور والحسود والذكي والغبي ومحب الشهوات والتسلط، ومن يسرق ويكذب، وآخر ذكي ونشط ونزيه ومؤمن ويريد ان يعمل ويتعلم ويتداوى، وقد يبدع فلا يصح ان ينتظر موته ليتم تكريمه ومعاقبته.
رابعا- في (المدن السومرية) التي ابتدع مواطنون فيها انماطا من طرق الزراعة والري وآلات لتطوير أنواع وكميات الزراعة. واخترعوا الكتابة التي هي مفتاح كل المعارف والعلوم. كما طوروا اساليب وانماط للتعامل مع المدن المجاورة.
خامسا- في مملكة بابل.. كان الملك المشرع والفقيه البابلي حمورابي قد وضع دستورا وقانونا متكاملا من 282 مادة ينظم شون الحياة في الحكم والادارة والعبادات والانشطة الاجتماعية والزراعية والتجارية والحربية.
سادسا – فراعنة مصر بين3100/343 قبل الميلاد تفننوا في تصور فكرة الارباب المتعددين والالاه الواحد. وأشاروا الى ان فن الحكم يعتمد على الانسان الموهوب والمتخصص المبدع في مجال ما، ليكون متكاملا ويعطي أفضل النتائج، عندها يملك ثروة ولا يحتاج لشي. وعليه ان يبحث ويجتهد دائما بهمة ونشاط ليتمكن من حكم نفسه بنفسه بدون أخطاء. ولا تفرض ولا تستعمل القوة ضد الاخرين الذين قد يفرضونها عليك. ان كنت قويا لا تظهرها بل تصرف بحكمة لكي يحترمك الناس دون خوف. ولا تعطي اوامرا الا إذا تطلب الامر.
سادسا – في الصين التي يبدا تاريخ السلالات الحاكمة فيها منذ سلالة كسا بين 2100/1500قم حيث كان الإمبراطور يستمد سلطته من الإله الأعلى في الصين وهو (شانغدي) حيث يكون الامبراطور وكأنه الها ثانيا او نبيا معصوما.. غير ان الواقع لم يثبت عصمته بل كان بعض الاباطرة طغاة وجبابرة، وضعفاء فاشلين في إدارة شؤون الدولة. عند مجيء سلالة شانج بين 1500/1027قم تطورت فكرة شروط الحكم فلم تعد روحية فقط، بل تشترط المعرفة والكفاءة. كما ان الفيلسوف كونفوشيوس بين 551/ 479قم دعا لان تكون شروط الحاكم الاخلاق والعدل والرحمة والمعرفة وليس الأصل والثروة.
– سابعا في المدن الاغريقية/ اليونانية ظهرت صراعات وحروب بين اثينا وسبارطة وغيرها من المدن المجاورة وتهديدات خارجية (فارسية)
ثامنا- ضمن هذا الجدل والصراع والاغتيالات والحروب حول من هو أحق بالسلطة.. ظهر الفلاسفة وحاولوا تصور حلول واساليب لفن الحكم لإيجاد استقرار وتوازن عملي وواقعي بين القيم الغيبية الروحية والمثالية، وبين الحياة اليومية المادية وتعقيداتها، وسلوكيات وطموحات ومتطلبات الناس غير المتساوية.. لأنهم لم يكتفوا بالقيم الروحية التي تعتبر قيما مقدسة جامدة غير قابلة للنقد ولا للتغيير والتأويل، فابتدع الفلاسفة أفكارا وفلسفات قابلة للتطبيق اليومي وللتطوير وللتعديل وللإلغاء ودعوا لأفكار التعايش، والسلم لان الحروب لا ينبغي ان تكون قواعد بل استثناءات.
من بين فلاسفة السياسة والحكم
– افلاطون الاثيني عاش بين 427/347 قم كتب (كتاب الجمهورية) ودعا للمشاركة بالسلطة والى الحكم الشعبي باعتبار ان هدف كل سلطة أن تكون في خدمة الشعب فهو من وضعها باختياره الحر.. أي ان الجمهورية رديفة للعمومية الديمقراطية.
-س قراط ولد في مدينة الوبيس عام 469 ومات منتحرا عام 399قم في اثينا لأنه كان يندد بالصراعات والحروب الاهلية العبثية ويدعو للسلام فيما تم اتهامه بانه يروج للتخاذل.
الاستاجيري ارسطو عاش بين 385/322قم كان من تلاميذ ارسطو. كتب كتاب بعنوان (السياسة) التي هي من وجهة نظره مبادئ وقيم وممارسات واساليب وترتبط بالظروف المتاحة وتحتاج لمهارات وقابليات وقدرات وكفاءات خاصة واستثنائية أي انها (فن الممكن) . كما كتب كتابا اخر بعنوان (المنطق) ويعني به كل ما هو واقعي وممكن الوقوع. فلا دخان بلا نار ولا مطر بدون غيوم. ولا بكاء بدون الم. وان تقييم الأشخاص يتم من خلال قدراتهم وعطاءاتهم وليس من خلال انسابهم وثرواتهم واديانهم.
– الايطالي زينون عاش بين 332/ 262 قبل الميلاد ومواطنه الامبراطور مارك اوريل بين 121/180 بعد الميلاد ومن يماثلهم، تبنوا فكرة كون الفلسفة هي أساليب فن العيش على الصعيدين الفردي والجماعي لخلق حالات من الاستقرار والامن الاجتماعي والسعادة.
– الفيلسوف ابن رشد ولدعام 1126 في قرطبة وتوفي عام 2298 في مراكش. كتب عدة كتب منها (كتاب العقل) الذي يعتمد أيضا على المنطق الصحيح المدعم بالحقائق والأرقام والتجارب ويتقدم العقل على كل اعتبارات روحية. فعند حدوث مشكلة ما يجب الاحتكام لها. بقيت أفكار ابن رشد سائدة لعدة قرون في عدة دول اوربية وخاصة فرنسا وايطاليا والمانيا حيث كان اتباعه يطلق عليهم (الرشديين) كما صار بعد فترات طويلة لاحقة يطلق (الماركسيين او التروتسكيين)
-الإنكليزي جون لوك عاش بين 1632/1704 ومواطنه توماس هوب عاش بين 1588/1679 أشارا الى ان (الطبيعة) ليست كيانا يمكن قياس حجمه وكميته فقط، بل هي التي أوجدت القوانين الدقيقة للكون والنباتات والأشجار والحيوانات التي منها (الانسان) الذي يعتبر الكيان والماكينة الحية الأكثر تعقيدا على الاطلاق
– الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي ديكارت عاش بين 1596/1650. أكد على ان فكرة الشك. ليست كفرا ولا إلحادا بل هي مشروعة، بل واجبة كأسلوب للوصول للأفضل والأجود، على عكس الاستسلام او التسليم بالتحليلات والتفسيرات الطوباوية.
– السويسري -الفرنسي جان جاك روسو عاش بين 1712/1778 ذكر في كتابه (العقد الاجتماعي) بان السماوات لا تعارض تقدم وحرية وسعادة البشر بل تدعوا لها لأنها هي نفسها نموذجا للإبداع والمعرفة. وان أي تجمع بشري لا يتطور إلا ضمن تناسق وتعاون بين أعضائه في تحديد وخلق توازن بين الحقوق والواجبات، وخلق هرمية سلطوية يتم اختيارها بحرية ضمن فترات متفق عليها، ولا يجوز تجاوزها الا بموافقة طوعية (للأغلبية العظمى أي 51 +١). وأن الحاكم والأمير والامبراطور والفرعون هو الطرف الأصغر والاضعف في المعادلة وليس كل المعادلة، لان الطرف الأهم فيها هم الناس الذين يمنحونه شرعية ووظيفة وواجب الحكم.
– الفرنسي مايان دي بيران عاش بين 1766/1844 أشار في كتاب (الشعور الذاتي) بان الحرية لا تقاس ولا يتم الشعور بها الا من خلال الممارسات والأنشطة العامة والخاصة التي في حالة انعدامها تصبح الحياة عبثية ولا طعم لها.
– الألماني فردريك فون شيلنج عاش بين 1775/1854 أكد على الناس ليسوا اعدادا وارقاما وليسوا قطعان حيوانات بل هم هويات ذاتية فردية لكل منها قناعاته وآرائه حسب أعمارهم وبيئاتهم وفلسفاتهم الفردية بين الايمان المفرط والالحاد المفرط، تجمعهم وتبعدهم المصالح والحاجات ضمن مؤسسات تضمن للجميع حقوقهم وتحدد واجباتهم.
-الالماني فردريك هيجل عاش بين 1770/1831 يقول ان الفلسفة ليست ترفا وحب المعرفة كما يقول افلاطون، بل هي نظام علمي، لأنها بدون مقومات مؤسساتية تفقد معناها العلمي.
-الألماني لوويج فورباخ عاش بين 1804/1872. أكد على ان الانسان هو أفضل كائنات الطبيعة وأفضل من يفهمها ويتفهمها وكل فلسفة لا تخدمه لا يكون لها معنى.
-الألماني جوهان كاسبار ستينرعاش بين 1806/1856 يقول عندما يتخلى الانسان عن عبادة الله كقيمة روحية فانه يخضع (لمؤسسة) أي الدولة والقوانين والأنظمة وقواعد العمل وتصبح هي الدين الجديد (دين الحياة)
-الألماني كارل ماركس ولد في عام 1818 يهوديا ومات في انكلترة عام 1838بروتستانتيا. أكد على ان الانسان لم يخلق ليتعبد بل ليعمل لكي يعيش وينتج. لان التصوف والانعكاف في الصوامع للتعبد لن يجلب له لا ماءا ولا خبرا ولا امنا ولا حرية.
تاسعا- بعد هذا الاستعراض المقتضب جدا للعديد من الفلاسفة والمجددين على مختلف العصور اشير الى ان الأفكار الفلسفية التي أشرنا إليها ليست متفقة على منهج واحد بل متباينة بين..
1- الاتجاهات الفلسفية اليمينة المحافظة المعتدلة.. تعتمد على قيم من العادات والتقاليد والأعراف التي تبلورت بمراحل طويلة من الزمن وصارت كأنها قوانين عامة مقبولة من الأكثرية واعتمدت مبادئ الدمقراطية التمثيلية التعددية من خلال منظمات حزبية تتنافس من اجل الأفضل. وهي غالبية الأنظمة الاوربية الغربية والوسطى والشمالية الغربية والولايات المتحدة وكندة وأسترالية ونيوزيلندا حيث يساهم كل المواطنين من النساء والرجال البالغين سن الرشد – ليس الطبيعي بل القانوني حسب الدول بين 18 /20عاما – في اختيار ممثليهم اختيارا حرا ليس لقومياتهم ولا لأديانهم ولا لألوانهم او اجناسهم (اناث او ذكور) بل طبقا لسمعتهم الوطنية والمهنية ونزاهتهم ولبرامج ومناهج وفلسفات المرشحين، والتي تتعلق بمصالح الناس الحياتية (السكن، العمل، التعليم، الصحة، الامن، المواصلات، وكل الخدمات المعاصرة الخ) وخضوعهم لرقابة مؤسسات متخصصة ومستقلة مع وجود (معارضة سياسية وإعلامية مشروعة) يحق لها مناقشة كل القوانين والاعتراض عليها.
كما انه في الدول ذات الأنظمة الدمقراطية التي تقر التعددية الحزبية وتداول السلطة من خلال صناديق الاقتراع الحر المباشر، تتضاءل الفروقات بين من هم في السلطة وبين من هم في المعارضة حيث سرعان ما يتفق الجميع حول القضايا الوطنية العامة سواء في الاقتصاد أو الحرب ولا يتخندقون في خنادق اللامبالاة او الشماتة او التآمر.
النظام في المملكة المتحدة الذي يوصف على انه (نظام لبرالي معتدل) هو أفضل نظام سياسي منذ توقيع الوثيقة الكبرى عام 1215 من قبل الملك جان الشقيق الأصغر لريتشارد قلب الاسد. حزب الاحرار الذي عاش بين1678/1859 حكم منه 7 رؤساء. حزب المحافظين منذ نشوئه عام 1832حكم منه حتى الان 19 رئيس وزراء. وحزب العمال منذ تأسيسه عام 1900 حكم منه حتى الان 6 رؤساء وزراء.
كما ان القوى المعارضة في الأنظمة الدمقراطية لا تعارض من اجل المعارضة ولا تتآمر ولا تتهادن مع الخارج من اجل استلام السلطة بل تتوجه للجماهير من اجل كسب ودها لأنها الطريقة الوحيدة من وجهة نظرهم لاستلام الحكم. أي ان الفروقات بين السلطة ومعارضيها في الدول الدمقراطية هي فروقات طفيفة جدا.
2 – الاتجاهات الفلسفية اليسارية التي تعتمد عادة على سياسة الحزب الواحد والقائد الواحد الذي يحتكر هو وحزبه كل مؤسسات الدولة، ويضعون خططا وبرامج لا تخضع للنقاشات الشعبية، والتي قد تنتفع منها فئات خاصة بالحزب والمقربين منه، حيث تظهر فيها الولاءات غير الحقيقية وتقوم على الغاء الملكية الخاصة. اثبتت فشلها من خلال تجربة الاتحاد السوفيتي بين 1917/1999 حيث عادت القيصرية اليها من خلال بوتين الذين يحكم منذ عام 1990 وحتى عام 2036، أي حتى يكون في ٨١ من عمره.
كما ان دول اوربة الشرقية التي كانت تابعة قسرا للاتحاد السوفييتي بين 1946/1991 وكذلك في فيتام وكوبا حيث يفتقر غالبية الناس للحريات العامة وللتعبير عن مشاركتهم في السلطة وفي القرارات الوطنية وللحريات الخاصة ولحرية تشكيل منظماتهم وجمعياتهم المتنوعة.
3- تجربة الصين الاشتراكية منذ عام 1949 ذات الحزب الواحد وسكانها 1.5 مليار فان الحزب الشيوعي اعتمد على الفلاحين الذين يشكلون حتى الان ٦٠٪ من الايدي العاملة التي تعمل في الأرض لكي تأكل. وسمح حق التملك الزراعي والتجاري والصناعي لمشاركة أكبر عدد ممكن من الناس في الحياة الاقتصادية. كما ان الحزب في الصين صار منذ وفاة ماوتسي تونغ عام 1976عن 83 عاما، لا يهمه الاعداد بل النوعيات حيث لا يقبل فيه من يرغب بل من يلتزم ومن يستطع العطاء وليس لنيل المنافع فقط. كما ان الرئيس الصيني (شي جين بينغ) منذ توليه رئاسة الحزب والدولة في عام 2013 اقر مع البرلمان واللجان المتخصصة خططا اقتصادية واجتماعية ليست قسرية بل ذات طابعا رأسماليا لأنها تعتمد على التنافس والجودة في الأسواق العالمية مما جعل الاقتصاد الصيني يجمع بين الاشتراكية والنظام الحر الذي يقوم على مبدا التنافس ليقفز من اقتصاد معظمه زراعي الى اقتصاد زراعي وصناعي حيث احتلت الصين منذ عام 2015 الموقع الثاني في التجارة الدولية وفي الانتشار الاستثماري الدولي بعد الولايات المتحدة وقبل المانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وكندا.
4- وهناك الأنظمة المتطرفة يمينيا، ومنها خاصة الأنظمة الدينية والطائفية، والأنظمة الجمهورية اليسارية الوراِية كما في كورية الشمالية.
5-الأنظمة الدكتاتورية التي يحكمها جنرالات فأنها أنظمة متخلفة لأنها تهمش شعوبها وخاصة النساء والخبرات العلمية والفنية حيث لا تسمح لهم في المشاركة في السلطة ولا في القرارات الكبيرة التي تخص مصير الشعب، مثل قرارات الحرب والسلم. فتكون أنظمة ضعيفة وقلقة تخشى شعوبها وتكون تابعة اقتصاديا وسياسيا للدول الدمقراطية. كما انها تهمش الأقليات القومية والدينية فيها وتضطهد المعارضين بمختلف أنواع الاضطهاد، حيث تكثر السجون والبطالة. كما انها انظمة تقل فيها الشفافية في الإدارة المالية فيكثر فيها الفساد المالي والإداري وتقل النزاهة وتكثر سرقة المال العام لعدم وجود رقابة. لذلك تمارس المعارضة مختلف الأساليب بما فيها الأساليب التآمرية للقضاء على هذه السلطة دون حساب للنتائج، مما يخلق حالات من عدم الاستقرار الذي لا يسمح بدوره بإقامة حياة سياسية واقتصادية واجتماعية متوازنة، فتبقى هذه البلدان ضعيفة ومختلفة حتى لو كانت غنية بالثروات الخام التي تحتاج مهارات وأنظمة سياسية عادلة لكي يتم استثمارها بطاقات وخبرات وطنية.. فاليابان مثلا ليس فيها نفطا لكن نظامها السياسي والاقتصادي منذ عهد (الامبراطور ميجي حكم بين 1876/1912) تفوقت وتقدمت اقتصاديا وتقنيا على الاتحاد السوفيتي وخليفته روسية بل تقدمت على بريطانيا وفرنسا.
6- النظام السياسي في دولة إسرائيل في فلسطين منذ 1948.5.15. نظام خاص لم تتحدد ملامحه بعد. فهو لم يحدد هويته.. هل هو نظام ديني؟ ام نظاما قوميا عنصريا؟ ام نظاما اسيويا؟ ام يبقى نظاما يعتمد كليا على دول خارجية لها صراعات مع العرب والمسلمين. كيف لا يجوز لدولة تركية التي فيها إسطانبول المدينة الأوربية جغرافيا أن تكون في الاتحاد الأوربي ومثلها لبنان وسورية ومصر الأقرب الى اليونان. وليبية الأقرب الى مالطة وتونس الأقرب الى إيطالية والمغرب الأقرب الى اسبانيا والجزائر الأقرب الى فرنسا لا يحق لهم الحصول على عضوية الاتحاد، او الحصول على اتفاقيات افضلية، بينما دولة إسرائيل تتمتع بكل الامتيازات الاقتصادية والأنشطة العسكرية والرياضية والفنية؟ كما ان دولة إسرائيل لم تفكر حتى الان بإيجاد فلسفة للتعايش مع جيرانها ليس من خلال القوة المستوردة بل من خلال التنازل والمصالح المتبادلة.. على ساسة إسرائيل ان يعلموا بان لا حياة لهم حتى ولو بقوا في جزء من فلسطين 781 عاما، وهي السنوات التي قضايا العرب في الاندلس، ما لم يقبلوا طوعيا التعايش مع جيرانهم الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والمصرين وان يشاركوهم في البحر.
نخلص إلى القول بان المهم ليس في تبني شعارات يسارية او محافظة بل المهم تبني نظاما يشارك فيه الغالبية العظمى من الشعب، بوسائل حرة وديمقراطية في اختيار ممثليهم في السلطة، وفي ممارسة مختلف انشطتهم الاجتماعية والاقتصادية والفنية والدينية، وكافة الأنشطة الحياتية من رياضية وفنية وثقافية وغيرها.
د. حسن الزيدي – دبلوماسي ومؤرخ