ريما إبراهيم حمود
اللوحة: الفنان الألماني إرنست لودفيغ كيرشنر
- دينار غبي ملوّث بالحبر.. حلمت الليلة أنه عجين فردته فاستطال و استدار، ثم تركته ساعة فتضاعف حجمه، وضعته في صينية الخَبز الكبيرة و حملته فوق رأسي، خرجت إلى السوق نثرته هنا وهنا وعدت بسيارة أجرة ملأت مقعدها الخلفي و صندوقها الخلفي حتى التخمة.
ضحكت الجارة حتى الدمع:
- نفس الدينار ؟
- نفسه.
- احلمي به كل يوم.. متى ستطلقين سراحه ؟
نفضت بقايا الخبز عن حجرها و قامت ضاحكة:
- سفرة دائمة يا أم أحمد.
تحسست أم أحمد الدينار الغبي في طرف منديلها المعقود عليه، أقفلت الباب وراء جارتها:
- منه لله.. منه لله.
تراجعت عن الباب.. سمعت طرقات خفيفة، عادت إليه:
- أعطيني مما أعطاك الله.
- هو دينار لا غيره، خذه.
فكت طرف الشال و أعطته الدينار.
ربطت طرف الشال فوق رأسها.. وقفت في المطبخ تحاول اختراع أي شيء تسكت به بطون الجياع العائدين من المدرسة.
واصل السائل مسيره حتى الباب الثاني، لحظات و كان دوي الباب ينفجر في وجهه.
وقف عند أول الشارع فاردا كفه للعابرين بلا فائدة.
تأمل ساهما اللحم المعلق وراء الزجاج.. فرد الدينار بين يديه، سوّاه، اشتمّه للحظات قبّله.. عاد إلى زاويته بأرغفة خبز و كيس فلافل.
ألح ابن الخباز على أبيه، فناوله الدينار، تمسك الصبيّ به حتى تعرّقت كفه، ثمّ رماه على طاولة محل البقالة، أخّذ كيس الحلوى و جرى.
- دينار معجون بالعرق.
قالها ذلك الشاعر البائس.. تأمل الكلمات التي رسمت فوقه، و القلب الصغير في زاويته، وضعه في جيبه.. و نام.
صرّت زوجة الشاعر الدينار في يدها، وقفت أمام بائع الخضار ترجوه أن يسمح لها بانتقاء الطماطم بنفسها، تركها، أعطته الدينار.
رأى بائع الخضار الدينار الملطخ بالحبر يجري هاربا وهو يبكيه بحرقة مريرة، استيقظ فزعا و مرارة البكاء في حلقه، قرأ المعوذات و أقسم أن يتخلص منه.
فزعت أم أحمد حين عادت يدها بالدنيار الملطخ بالحبر مرة أخرى، رمته على طاولة صاحب البقالة غاضبة:
- لا أريده.. أعطني غيره.
أقسم صاحب البقالة بأن لا صرافة لديه.
أخذته أم أحمد.. صرتّه بقوة، ثم أنزلت إطارا قديما عن الحائط الذي تهالك لونه رفعت الغطاء الخلفي، دستّه هناك. وأعادت الإطار إلى الحائط فظلّ مائلا.
يقال أن ابنتها ضحكت كثيرا حين اكتشفت الدينار، فأعطته للسائل المسكين راجية منه الترحم على أمها، فلّما رآه ابتسم متذكرا حكاية أبيه عن دينار مطابق لديناره كان قد أعطاه لسائل آخر من مدينة بعيدة.
كم أنت رائعة ياصديقتي
ليس لدي كلام الآن أعبر به عن دهشتي..
ربما لعد انقضاء الدهشة!
إعجابإعجاب