يسبقني صخبي وقصص أخرى

يسبقني صخبي وقصص أخرى

نورة عبيد

اللوحة: الفنان الأميركي يعقوب لورانس

بين الحبيب والحليب.. اللُّعاعة

بعث لي أخي الصّغير مازحا “فتاة بلا حبيب كالبقرة بلا حليب”.. يومها كنت بديار غير الدّيار أشارك ألف طالبة المبيت ولا أعرف إن كان الحليب وفيرا أو زهيدا، وإن كانت الأبقار تسرّ الناظرين أم تثيرهم؟

 كانت وصفيّة في حلّ من رعْي الحليب وكان أمام المبيت الجامعي عطُار يُدعى” حبيب”؛ لكِن وأقرع وقزم غطّاه الإهمال والوسخ فأكثر الحكّ وأطال النّظر في سواقي الحليب تناديه صفيّة: «عمّي حليب عندك حبيب!» يغضب ويستشط فيرفض مدّنا الحليب!

 الآن والحليب لنا والحبيب هنا غابت صفيّة وغاب عمّي حبيب وتغيّر الحليب.

يسبقني صخبي.. العِلّة

الجلوس عند عتبة الدّار، والبكاء مساء نحس يفوق نحس بومة تحطّ عند زاوية من زوايا جدران المنزل أو على أيّ متكئ يجاورها

وكان أبي وأمّي وكلّ من يكبرني مجنّدا ليعلّمني محاربة النّحس فكلّ من كان يبكي مساء، يضرب ويعزل وينام دون عشاء وأمّا البومة فترمى بحجر ويستعاذ منها، ويرقّق القلب بأدعيّة تدفع أذاها وأمّا أنا فتجاسرت على مصادقة النّحس، فلا أعرف كيف تمكّن بي البكاء مساء، ولا أعرف كيف ارتبط البكاء بمسائي وخوفا من غضب أبويّ أتسلّل إلى فراشي راضيّة مرضيّة وإن حدث ولم أبك مساء فشيء من البكاء يعتصر قلبي الذّكيّ وكنت أسأل لم البكاء؟ لم لا يحضر البكاء إلاّ والمساء؟ تسلّل العمر وغاب المساء عن مسائي فهزّني الشّباب وألمّ بي نحس جديد.

 الضّحك بصوت مرتفع يسمعه الجيران، حتّى أخبرني ابن الجيران ماهر أنّه ينتظر قهقهاتي مرّة في اليوم على الأقل، لا سيما عند ظهيرة يوم قائض من أيّام أوسّو.

 أخبرني بذلك وأخبر من اعترضه من إخوتي يا للعنتي! أقضّ قيلولتهم وأفضّ جوهري! يسبقني صخبي فلا خوف من أبي وأمّي شيء ما يرقّق قلبي العتيّ أن اضحكي! 

أنتَ بريء!

بلادي يا بلادي، كلّ فؤادي.

 قصدت السّجن المدنيّ بالمرناقيّة لأعيده نقيّا من تهم نديّة.. انتظرته من السّابعة مساء إلى ما بعد منتصف اللّيل ليرموا به بُعيْد السّجن.. أنت بريء وحرّ! مهان مدان أبدا لن تمرّ حتّى تعود ظالما مكدودا ناقما عليهم وعلى الإنسانيّة. 

 ساحة خاويّة يدوّي الرّيح في أرجائها ما بعد منتصف اللّيل أنتظر الذي كان سجينا طيلة سنة ونصف دارت الجلسة مساء الحمد لله قضى العدل بعدم سماع الدّعوى لأنّه طالب وفيّ للحريّة والدّيمقراطيّة تابعت قضيّته في شغف وتهيّأت لأعيده بريئا إلى عقل أمّه وأبيه هناك لا حافلة صفراء ولا تاكسي، لا بشر ينتظرون أبرياء ولا متهمّين، اللّيل والوحشة يسكنان الخلاء، سيّارة أمن ترمي بالبريء، أستقبله في عناء أردت أن أحتضنه، أن أهنئه بالبراءة قال: 

 يا حقوقي! يا ديمقراطي!

 لا شيء يعيد المدى للصّدى غير الاحتمال

يفاجئنا الشّقاء ونحن نتهيّأ للاستراحة من الاحتمال نقترب من الصّواب ونقارع الحقائق!

نترقّى مدنيّا فتتزايد مطالبنا وتتنوّع وتتوافر واجباتنا ونتضجّر، وفي الضّجر نتلبّد ونتبدّل وعبثا نلهو بالكائنات غير الكائنات: نروي الزّهر والثّمر، نقتات والقطط، نتغزّل والبقر نصطاد الأنس والعبر، نسأل النّورس والقطا عن غسق الآلهة وسرّ نقصان البشر؟ 

بلغنا جبل جلود قال: 

– تحت القنطرة

نزل هناك دون أن يسلّم في حياء قلت:

– سلّم عليهم.

الامتحان البارد.. اللُّقْعة

كنت بالمرحلة الثّانويّة حين برقت العربية مادّة أوّابة وكان لي نصيب من البراعة بين أقراني لم يكن دافعه العدد، وإنّما الرّغبة في الامتحان

وكان أن أسقط الأستاذ نسخة من قصيدة أُعِدّت لاختبار في التّحليل الأدبيّ فأوت عند تلميذ، فلم يتوان عن نشرها بين الأقران حتّى استقرت بيدي فاستبدّ بي حزن شديد عندي تلاشى الامتحان وبرحت أمنّي النّفس أن يخطئ القدر ويكون الامتحان غير مكرور ولكن لم يخطئ القدر وكان امتحانا باردا.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.