يوم الموكوبوليساكاريدوز العالمي

يوم الموكوبوليساكاريدوز العالمي

د. هشام منصور

اللوحة: الفنان الإسباني خوان ميرو

مع التطوّر الطبيّ المخبريّ وخصوصًا في مضمار البحث الجينيّ أصبح الطّبيب ينحى إلى الإعتماد على هذه الوسائل التّشخيصيّة متخطّيًا بديهيّات المراقبة السّريريّة التي تبقى العماد الأساس للتّشخيص الطّبي الصّحيح. ولا شكّ أن “متلازمات عديدات السكاريد المخاطية” من أكثر الأمراض مشهديّة من الزّاوية التّشخيصيّة لما يُظهره حَمَلَةُ هذه الحالات من سمات مميّزةٍ واستثنائيّة توجّه مسار التّشخيص سريعًا وبعيدًا عن الفحوصات الشاملة والمُكلفة.

وعبارة “متلازمات عديدات السكاريد المخاطية”، هي الاسم الأقرب الذي تكرّم به المعرّبون للإشارة إلى الأمراض المعروفة بالاسم الأكثر شيوعًا ألا وهو ال Mucopolysaccharidosis والتي تُختَصر بأحرفها الأولى MPS .

وال MPS بأنوعها السّبعة (أو التّسعة وفق التّصنيفات الأدقّ، كلٌّ يحمل اسم الطّبيب الذي وصفه أوّلًا) هي من الأمراض المصنّفة باليتيمة والتي تتضاءل احتمالات الإصابة بها مع انخفاض نسبة زواج القربى. وهي تتناقل وفق نمطٍ جينيٍّ وراثيٍّ بصفةٍ متنحيّةٍ autosomal recessive ممَّا يعني أنّ الطّفرة الجينيّة يجب أن تكون محمولةً في جينات الوالدين. ووجود هذه الطّفرات يؤدّي إلى فقدان أنزيمات معيّنة في “الليزوزومات” وهي شبه غرفٍ وظيفيّة في خلايا الجسم البشريِّ مسؤولةٌ عن تدوير المُرَكّبات العضويّة وصولًا إلى إعادة استخدامها في بناء خلايا الجسم البشريّ. وفي غياب الأنزيم اللّازم تتكدّس هذه المُركَّبات وتتسبّب بظهور العوارض سريريًّا.

وعوارض هذه الحالة تبدأ بالظهور والطّفل لا زال في طور الجنين، ومن العوارض الواضحة هي كبر محيط الرّأس واتّساع الجبين وبروز ملامح الوجه من قصر نسبيّ للقامة والتواءٍ للعظام. والعناصر الأساس.

ولعلّ أكثر الأسباب التي تدفع بالوالدين لطلب مشورة طبيبٍ هي صعوبات النّطق والتهابات الأذن الوسطى المتكرّرة والفتق في جدار البطن والتواءات العمود الفقريّ وانتفاخ البطن الناتج عن حجم الكبد والطّحال وصولًا إلى عوارض إصابة الجهاز العصبيّ ومنها التّوحّد.

وكلّ ذلك ناتجٌ عن تكدّس موادّ “الموكوبوليساكاريد” في الأنسجة الطّريّة ممّا يؤدّي إلى انتفاخها ويعيق نموّها ويؤثّر على كلّ عضو بشكلٍ عكسيٍّ وصولًا إلى فشل وظائفه تدريجيًّا، وصولًا إلى فشلٍ وظيفيٍّ عامّ وذلك بسبب افتقاد الجسم للأنزيمات اللازمة للتّخلّص من هذه الموادّ المتشعّبة التّركيب أو لانعدام قدرته على إعادة تدويرها. وحتّى الأمس القريب كانت هذه الأمراض تفتقد إلى علاجٍ دوائيٍّ ناجعٍ يقلّل من حدّة عوارضها حتّى العقدين الماضيين عند بداية العلاجات عبر الأنزيمات التّعويضيّة والتي نقوم عبرها بإعطاء الإنزيم البديل المركّب صناعيًّا عن طريق العرق للمريض الذي يعاني من نقصٍ في هذا الأنزيم. 

وهذا العلاج البديل يؤدّي إلى استقرار في الحالة السّريريّة للمريض أو إلى إبطاء تدهورها وفق منسوب صعوبة الحالة عند كلّ مريض. وهذه العلاجات تُعطى بشكلٍ عامٍّ في إطار إستشفائيّ رقابيٍّ لمتابعة مضاعفاتها المحتملة. 

 ومع هذه النّهضة العلميّة كان لزامًا على المجتمع الطّبيّ والجمعيّات المتخصّصة القيام بحملات توعويّةٍ بما خصّ هذه الحالات إن للتّعريف بها أو لتسليط الضّوء على أهمّيّة تشخيصها باكرًا، لما في ذلك من مضاعفةٍ للإفادة للمريض وتحسينًا لتطوّر حالتها الصّحيّة.

وقد اختار المجتمع العلميّ والأهليّ يوم الخامس عشر من أيّار من كلّ عام يومًا للتّوعية المجتمعيّة فيما خصّ هذه الفئة من الأمراض، آملًا في لفت نظر الإخوة في المجتمع إلى أن فرادة هذه الحالات وندرتها لا تعفينا من واجب السّعي لتأمين العلاجات للأفراد الذين يحملون هذه الطفرات الجينيّة النّادرة، ولحثّ الباحثين على تطوير علاجاتٍ أدقّ بهدف تخفيف معاناة حَمَلَة هذه الحالات.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s