اللوحة: الفنانة السورية ريما الزعبي
ليس بين الهمِّ والهمِّ مَمَرُّ الريحِ..
لكنْ.. أنت تمضي
هل ترى في العطشِ المقتولِ أنهاراً؟
فقل لي… كيفَ كانْ؟
لم تزلْ تنبضُ فيكَ الدفقةُ الأولَى،
وينمو في تجاعيدِك شيءٌ فيه بـِـرُّ الأرضِ،
سرُّ النارِ
تكثيفُ الدخانْ
أيهذا الأملُ الطاعنُ في تِــيـهِ المنافِــي
تحت أهدابـِك ينمو في التحاريقِ شراعٌ قُزَحيُّ،
فيه رُوحُ الفيضانْ
لم تزلٌ عيناك رغمَ العطشِ المقتولِ،
ينمو فيهما نخلٌ.. ورمانٌ.. وخيراتٌ حِسانْ
لم تزل أُذْنَاكَ في قَصْفِ الأعاصيرِ،
وفي خسْفِ الجنازيرِ،
يُدوِّي فيهما صوتُ الأذانْ
خلفَك البحرُ،
وفي وجهِك إعصارٌ من الصَّبـَّارِ،
يعْوِي فيك كالأشباحِ من كلِ المَسـَافـِى
فتَصَحَّرْتَ.. تَصَخَرَّتْ..
ولم تعْدُ عيناك عن قطرِ الندى.. رُوحِ السحابْ
لم تزلْ ” إيزيس” في مأساتِـها
تحرُسُ النهرَ.. وتقتاتُ السرابْ
تحفرُ النهرَ ولا تشربُ.. كالجِنَّةِ في أسْرِ سليمانَ؟
أتدرِي أنه مات، وأن الأسرَ هَـــانْ؟
كيفَ ظلَّ البحرُ بحراً في تعاوِيذِكَ،
واللؤلؤُ في قاعِك صافِـــي؟؟
كيف؟ قْــل لِـــي!
كيف عيناك الجفافُ المرُّ،
عينانِ بصحراءِ الأسَى نضـَّاخَتَـــانْ؟
كيف ينمو من له جِذرٌ على مستنقعِ الملحِ،
وجذْعٌ في الدخانْ؟
“صابرٌ” بسْمتُـكَ اللغزُ… أَجِبْـنِـي!
نقَّرتْ عينيكَ أحزاني وديكُ الْجنِّ..
ديكُ الْجنِّ.. ديكُ الْجنِّ
لا تُطلقْ لأوهامي العنانْ!
أنتَ للأهلِ… ومَنْــفيٌّ من الأهلِ،
وكالعقْـلِ… ومَنْــفيٌّ من العقْـلِ،
وكالحقْـلِ.. ومَنْــفيٌّ من الحقْـلِ،
فكيف انتصبتْ رُوحكَ كالأشجارِ في كلِّ مكانْ؟
أيُّ وشمٍ ذلك الحُلمُ الذي علمْتَهُ طفلَكَ،
ينْمُو تحتَ جِلْدِهْ؟
لا يَرَى إلاَّهُ… واللهَ… ولوْ صلَّى لِوَحْدِهْ
هل تَخيطُ الحلمَ بالدمِع، وبالدمِّ وتمْضِـي؟
عجَبٌ،
ما فَتنَتْهُ القططُ التَّخْطِفُ أشلاءَكَ كيْ تبقىَ السِّمَانْ
“صَابـِـرٌ”… يا أيها القادمُ من كلِّ المجَرَّاتِ،
ويا النافذُ من كلِّ الممرَّاتِ
التي أوْسَعُ منها ثـُقْبُ أنفـِكْ
كيف أفضيْتَ إلى قلبِ الحكاياتِ،
فأفضيتَ إلى دربِ الأُلىَ أفضَوْا إلى قلبِ الحكاياتِ،
فأفضيتَ إلى موْطنِ الذلِــة في قلبِ الجبــَانْ؟
كيف؟
بصَّـاصُونَ.. عسَّـاسُونَ من بين أيادِيكَ وخَلفِـكْ
زَيَّفُوا خيلَكَ.. خيلَ اللهِ..
حتى رقَصتْ رقْصَ القِيـَانْ!
وَتَعرَّوْا من شَفيفِ الحقِّ،
حتى صارَ كلّ الحقِّ تحريمُ الخِتَانْ!
أي سرٍ فيكَ يا صابرُ أوْرَى… فتحدّيتَ الرِّهانْ؟
هل ترَى في العطشِ المقتولِ أشجاراً؟
أَجِبْنــِي.. كيفَ كانْ؟
“صابرُ” امنحْ نزْفَكَ المكظومَ حرفَيْنِ من الْبـَوْحِ،
وكنْ فوقَ حرْفَيْكَ نِقاطاَ
صابرُ انظرْ..
حولَك الساحةُ لا تحسنُ غيرَ الْهذَيَانْ
كل شيءٍ هالكٌ.. لم يبقَ للصمتِ رهانْ
***
“صابرٌ” أرسلَ في عينيَّ عينيْهِ… جواباتِ عتابْ:
ــ أَترَى الأرضَ الخرابْ؟؟
علَّمتـْنـِـي مهنةُ البنـــَّاءِ أنْ أبدأَ بالأرضِ،
أزيلُ النقضَ.. هذي لحظةٌ كبرَى،
وكانتْ حفرةٌ كبرَى ابتدتْ من قلبِها أعْلَى الْمَبَانْ
ــ قلتُ: لكنكَ يا صابرُ لَمـَّـا تبتدِئْ!
ــ قال عارٌ.. تستعيرُ الخيلُ في الشدةِ من شيخٍ حِصانْ!
نحنُ يـَا ابْـنـِـي قد دخلْنــَا في تخُومِ الجرح،
إن الفجرَ من أعوانِ هذا الفأسِ،
أهلُ الفجْرِ قد جاءُوا، وإن الوقتَ حَانْ!
***
لحظةٌ…
وانْـتـَبَـهَ الكونُ على صوتِ الأَذَانْ..!