محمد كمال مصطفى
اللوحة: الفنان الصيني زهي يونغ جينغ
يظهر الفرق الحقيقي بين الديمقراطية والدكتاتورية في سبل حل الخلافات والنزاع السياسي. ففي الأنظمة الديمقراطية يكون الحل بالاحتكام إلى الطرق السلمية، والقانون، والتفاوض بين الفرقاء، ويتم العودة إلى مرجعية تقبلها كافة الأطراف المتنازعة أو المختلفة. مع الرجوع الى الاتفاقات السابقة بين هذه الأطراف إن كان هناك اتفاقات سابقة، وأخيراً يتم الرجوع إلى الشعب الذي يكون له في النهاية الرأي القاطع.
أما في الأنظمة الدكتاتورية فيكون الحل عادة بالعنف وإراقة الدماء، وعادة ما تلجأ الديكتاتورية إلى المراوغة والكذب، واصطناع وثائق غير حقيقية، واتباع طرق وأساليب غير أخلاقية.
***
في الديمقراطية تكون كافة المعلومات والحقائق، حول أطراف النزاع وموضوعه وأسبابه، واضحة وكاملة ومعلنة للجميع.. بما يمكّن الجميع من الوصول إلى الحل الصحيح، والحكم الصائب.
أما في الدكتاتورية فعادة ما تكون المعلومات ناقصة وغير صادقة، وتكون الأدلة مصطنعة، ولا يكون أطراف النزاع على قدم المساواة من حيث امتلاك القوة.
***
في الديمقراطية يكون مصطلح الصالح العام واضحا لكل ذي بصيرة وذي سمع وعدل.. في أن عموم الناس ومصالحهم أساس هذا المصطلح، ويكون تطوير الحراك الاجتماعي والاقتصادي هو أسمى الغايات
أما في الدكتاتورية فيكون مصطلح الصالح العام هو جوهر الاختلاف وأساس الصراع، وربما هو المبرر الوحيد للعنف. وغالبا ما تدعي بعض أطراف النزاع أن الطرف الآخر لا يبغى الا مصالحه الخاصة.. ومن هنا يبدأ تخوين كل طرف للآخر.
***
في الديمقراطية لا مشروعية للعنف مادام أطراف النزاع يختلفون حول قضية وطنية، وحول أمر يتعلق بالصالح العام وبالعدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. بل وحتى لو كان نزاعهم هو ادعاء يخفي مصالح خاصة، فالتفاوض والمواجهة السلمية، والحوار الآمن، والقانون، والاحتكام إلى مرجعية يختارها ويقبل بها أطراف النزاع كفيلة بكشف الحقائق.
أما في الدكتاتورية فتسود مقولات مثل: أنا على صواب وانت على خطأ، وانا على حق وانت على ضلال، وانا وطني وانت مشكوك في وطنيتك.. وانا أمثل السلطة استنادا إلى مشروعية حقيقية وصادقة وانت تريد أن تغتصب السلطة أو تفسدها من أجل رؤية غير واقعية، وانا اعمل لصالح الوطن وحمايته أما أنت فممول من جهات اجنبية وتعمل وفقا لأجندات خارجية.. الخ.
***
في الديمقراطية لا مواطنين شرفاء ولا مواطنين غير شرفاء.. الكل شرفاء يسعون إلى الحرية استنادا إلى القانون. والكل أصحاب حقوق متساوية أمام القانون، حيث لا تمييز ولا تمايز الا لمعايير الكفاءة، ونتائج الأعمال والافعال التي تحقق المنفعة وتسد الحاجة، فهي أساس الحكم بيني وبينك، فلا أنا أسعى إلى استقطاب أطراف أو فئات وطوائف شعبية لتأييدي ومساندتي، ولا ألجأ إلى تأليب الآخرين ضدك، ولن اقوم بتخوينك بالباطل ما دام ما تفعله مشروع.
أما في الدكتاتورية فإذا لم تكن معي فأنت ضدي وانت عدوي، ولا يحق لك ان تقبل جزء وترفض جزء، فكل ما اقول وما افعل وما أقدم كل واحد لا يتجزأ.. فلا يحق لك حتى أن تتفق على المبادئ وتختلف على التوقيت، ولأني امتلك كل القوة يكون لي الحق أن أحصل على عائد هذه القوة.
***
في الديمقراطية الجميع متساوون ولا أحد أقوى من الآخر إلا بالعلم والكفاءة، ولا أحد يجرّم أو يُدان ما لم تثبت عليه الأدلة الحقيقية غير المصطنعة، حيث لا يحق لفئة أياً كانت أن تدعي القوة، فلا دولة داخل الدولة، ولا فئة تعلو على باقي الفئات، ولا سلطة تعلو على باقي السلطات.
أما في الدكتاتورية فلا تغيير الا بصراع، ولا خطوة نحو الأمام الا بتكلفة فوق الطاقة، ولا حرية تسمح بالحوار الآمن والاتفاق على حلول جامعة صائبة.. حيث يوجد مجلس حكماء هو الذي يعرف وحده الصالح العام، ويكون الجميع غير عارفين لصالحهم، وعليهم أن ينقادوا دون نقاش لأنهم لا يمتلكون حكمة ورؤية من يحكمون.
***
في الديمقراطية تكون أهم الحريات هي حرية التفكير والتعبير، وحرية النشر.. مع وضع الضوابط لكل حرية على ألا تكون هذه الضوابط مقيدة للحرية.. فحدود حرية التعبير هي الضرر المعنوي للآخر، وحدود حرية النشر هي الاخبار الكاذبة، وإثارة الفتن على أن يكون الحكم في ذلك للقانون.
***
في الديمقراطية تكمن الحاجة إلى الحرية لمنع الدولة من التعسف في سلطاتها، حيث تتيح الديمقراطية إمكانية التخلص من الحكومة دون عنف عندما تتخلى السلطة التنفيذية عن واجباتها، وعندما تتبع سياسات لا تتوافق مع الأهداف، أو تكون انجازاتها لا تتناسب مع الإمكانات المتاحة لديها، أو لا تكون معبرة عن مطالب وآمال الجماهير.
وفي الديمقراطية يكون هناك إصرار شعبي على التدرج في الإصلاح والتغيير، وايضا على الاستمرار في التنمية والتقدم.
أما في الدكتاتورية فيكون هناك إصرار على الإصلاح والتدرج في الإصلاح والتغيير من وجهة نظر الحاكم فقط، دون أن يكون التغيير تعبيرا مباشرا عن الاحتياجات الحقيقية لعموم الناس، أو بما يدفع الحراك الاجتماعي إلى الأمام.
***
في الديمقراطية قد تكون المشكلة الكبرى هي التحزب الطائفي، وهشاشة البناء الداخلي، ولذلك لا ديموقراطية من دون بناء داخلي قوي ومتين، ومن دون أن يتم القضاء على التحزب الطائفي والمذهبي.
أما في الدكتاتورية فيكون اللعب على شق الصف، وإضعاف البناء الداخلي، وتقسيم الناس إلى ثنائيات ليبراليين / اسلامين، ومدني/ عسكري، ومواطنون شرفاء/ مواطنون غير شرفاء، ثوار/ أغلبية صامتة.
***
هذه أهم الفروق بين الديمقراطية والدكتاتورية.. ولا تصدق أن الديمقراطية لا تصلح للشعوب النامية أو الفقيرة.. بل هي الطريق الأنسب لها.. لأن التنمية حرية، وتأكد أن جوهر وأساس الحرية والتنمية والديموقراطية هو الحوار الآمن، والمشاركة، وقبول النقد.