عبد الناصر عليوي العبيدي
اللوحة: الفنان السوري نذير بارودي
أنا في هَواكِ مُتيَّمٌ يا شامُ
لي في هواكِ قَصَائِدٌ وغَرَامُ
مِنْ حَرِّ أَشْوَاْقِيْ إليكِ نَسَجْتُهَا
رَقَصَتْ عَلَىْ أَوْزَاْنِهَاْ الْأَنْغَاْمُ
مازِلْتُ أَخْفِيْهَاْ بِقَلْبِ وِسَاْدَتِيْ
كَيْ لَاْ تَبُوْحَ بِسِرِّهَاْ الْأَيَّاْمُ
فَتَغَارُ مِنْهَا مَنْ تَظُنُّ بِزَعْمِهَا
هِي مَنْ لهَا وَسَطَ الفؤادِ مَقَامُ
أَشْكُو الصّبَابَةَ والفُؤَادُ مُعَذَّبٌ
فَتَكَتْ بهِ الأَوجَاعُ والآلامُ
يا شَامُ جِئتُكِ عَاشِقاً أَشْكُو الَهَوى
والعَاشِقُ الولْهَانُ ليسَ يُلامُ
أشْتَاقُ عِطرَ اليَاسَمينِ يَضُمُّني
في الفَجْرِ إذْ تَأتِي بهِ الأَنْسَامُ
ولقاسَيونَ مَعَ الغُرُوبِ حِكَايَةٌ
فالشّمسُ تَغْفُو فَوقَهُ وتَنَامُ
بَرَدَى يُرَاسِلُ قَاسَيونَ مُغَازِلاً
وأتَى بِمَكْتُوبِ الغَرَامِ يَمَامُ
والغُوطةُ الغَنَّاءُ لوحةُ مُبْدعٍ
في رَسْمِهَا قَدْ أَبْدَعَ الرَسَّامُ
تَتَرَاقَصُ الأَضواءُ بَينَ ظِلَالِها
فَيَفيضُ مِنْها الوَحْيُ والإلهَامُ
نَسَجَا مِن الحُسْنِ البَهِيّ قَصِيدَةً
تَعْيَا بِسِحْرِ حرُوفِها الأَقْلامُ
عبثًا تحاولُ أَنْ تُقَاوِمَ سِحْرَهَا
يَرْمِيكَ في أَحْضَانِها اسْتَسْلامُ
هي للحضَارةِ أَصْلُهَا وجذُورُها
وبِعُمْرِها قدْ تَتْعَبُ الأَرْقَامُ
يَا شَامُ عِشْقُكِ ثَابِتٌ في خَافِقي
مَا فازَ في كَبْحِ الهوى لوَّامُ
والخَودُ تَفْتِكُ إِنْ رَنَتْ بلِحَاظِها
وكَأَنَّ فِي رِمْشِ العيونِ سِهَامُ
وكَأَنَّهَا بَيضُ النَعَامِ تَخَدّرَتْ
كالنّخْلِ تَحْمي طَلْعَهُ الأَكْمَامُ
مِثلَ النّجومِ البَارِقَاتِ تَرَفَّعَتْ
كَي لا يُدَنِّسَ طُهْرَهَا الأقْزَامُ
كالشّمْسِ قدْ سَطَعَتْ على أَفْلاكِها
لو غَابَ وجهُ الشّمسِ حَلَّ ظَلامُ
مَنْ ذَا الذي يُعْطِي الأَمَانَ لخَافِقي
أَنْ لا تَبِيحَ دِمَاءَهُ الأرْآمُ
حَيّوا الشَّآمَ حَبيبتي وعَشِيقَتي
هي للمَدَائِنِ قَائِدٌ وإمِامُ
كالقَلبِ كانتْ للعرُوبَةِ دائماً
فإذا تَوقَّفَ مَاتَتِ الأَجْسَامُ
فابنُ الوليدِ أَتَى الشآمَ مُحَرِّراً
ليَعُمَّ في أَرْجَائِها الإِسْلامُ
مِنْ بَعْدِ أَنْ جَعَلَ العِرَاقَ عَزِيزِةً
تَرَكَ المَجُوسَ كأنَّهم أَغْنَامُ
وبَنو أُمَيَّةَ غَادَرَتْ فُرسَانُهم
للفَتْحِ تَخْفِقُ فَوقَها الأعْلامُ
فانْصَاعَت الدُنْيا لأَمْرِ أَمِيرها
وتَزَعْزَعَ الأُمَرَاءُ والحُكَّامُ
ودَّعْتُهَا والنَّارُ تَحْرِقُ مُهْجَتِي
إنَّ الوَدَاعَ لها كَمَا الإِعْدَامُ
ربّاهُ أَسْعِدْ بِالوِصَالِ قُلوبَنا
فبِوَصْلِهَا تَتَحَقَّقُ الأَحْلامُ