اللوحة: الفنان الإسباني غابرييل بويج رودا
- قال بعجب: غودا؟ أتقصد “جودو”؟
- بل “غودا”.
فردّ بعصبية لا تناسب الموقف: لعلك أخطأت في نُطق الاسم، هو “جودو”، بطل مسرحية “صمويل بيكيت” رائد مسرح العبث، الشهير!
فكان جوابي: لا علاقة لي ب “جودو”، ف “غودا”، بطلة لمسرحية أخرى أكثر غموضًا، أشد عبثية من “بيكيت”.
فسألني: أتنتظرها أنت أيضًا على رصيف الحياة منذ فترة؟
فقلت: نعم، منذ سنوات سمعت عنها، حُكيت بشأنها قصص وأساطير، قيل أنها حين تخرج ليلًا يصبح في السماء قمران، وإن أطلّت بمحيّاها نهارًا، تنكسف الشمس بشدة، تناثرت أقاويل كثيرة، اختلط فيها الصدق بالحقيقة، قيل أنها رائعة الحُسن كامرأة، شهية طازجة كأنثى هبطت توّا من “الزهرة”.
فتملّكني شغف كبير في الاقتراب منها، لكن السبل موصدة وقتها أمامي، حتى بدت لي حلمًا من أحلام يقظتي الكثيرة. ثم دانت الثمرة وسقطت في حجري فجأة، فالحظ لا يأتيني إلاّ حينما أفقد الأمل، فوجدتني أقرب إليها مما ظننت، رأيتها رأي العين، تحدثت إليها.
بضجر: إذن الموضوع تقليدي، فما مأساتك؟
فقلت: الظن لا يغني عن الحق، فما اقتربت منها إلاّ ووجدت المسافة بيننا كبيرة، كسراب أحسبه كل مرة من شدة عطشي ماء، فظللت أنتظرها ولا زلت.
فقام يحزم حقيبته الجلدية السوداء الفارغة، وضعها على ظهره، تنفس بعمق، كتم نفسه هنيهة بصدره ثم اطلقه زفيرًا في وجهي، قال: هي إذن “جودو”، ليست “غودا”، أو هما وجهان لعملة واحدة، آفتك أن تنتظر، حتى انقلبت علّتك إلى لعبتك الوحيدة، تنتظر حتى تأتيك أو تشرق الشمس ذات يوم من مغربها.
زيجة مباركة
أخبرني هاتفيًا والسعادة تقفز من بين ثنايا حديثه: قرأت بالأمس الفاتحة لخطبة عروس جديدة. وأكمل وصوته يضج بالفرحة: أخيرًا عثرت على من تناسبني، قالها ثم سرد على سمعي مشوارًا طويلًا قطعه بمفردة عقب وفاة زوجته قبل عشر سنوات، ثم عن رحلة شقاء خاضها آخر ثلاثة أعوام في البحث عن نصف آخر يُكمل معه بقية الطريق.
ظهيرة اليوم كنّا جميعًا نصطف أمام نعش يحوي جثمانه الضئيل، بعد كثير من مصمصة الشفاه، قليل من حوقلة، قرأنا على روحه الفاتحة.