الشتاء.. بين أربعينية وخمسينية وحكايات الأجداد

الشتاء.. بين أربعينية وخمسينية وحكايات الأجداد

خيرية الشهابي

اللوحة: الفنان الفلسطيني حنّا كعبر

أقبل فصل الشتاء يدق الأبواب، ذلك الفصل الذي له من يعشقه وله من لا يواطنه؛ لكنه – الشتاء – الفصل الاستثنائي الذي يحتوي على العديد من وسائل الدفء والألفة والرومانسية أيضًا، ومن الجميل أن نقرأ فيما نقرأ عن الشتاء كيف تعامل معه أسلافنا وكيف صنفوه.. لقد قسّم أجدادنا الشتاء إلى قسمين:

1 – أربعينية الشتاء

مدتها 40 يوما تبدأ من 22 كانون الأول (ديسمبر) وتنتهي في 31 كانون الثاني (يناير) ويقول العرب عن الأربعينية في الأمثال الشعبية: (إذا ما عجبكم حالي ببعثلكم السعود خوالي)

2 – خمسينية الشتاء

تتكون الخمسينية من خمسين يوماً، تبدأ من أول شباط/ فبراير وتنتهي بتاريخ 22 آذار/مارس، وتتكون من أربعة أقسام (مطالع نجمية) كل منها ١٢ يوماً ونصف، وترتبط في الذاكرة الشعبية بقصة سعد، (سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الخبايا)، وفيها المستقرضات أو أيام العجوز: وهي أواخر شباط/ فبراير، وأوائل آذار/ مارس ومدتها سبعة أيام؛ فما هي قصة سعد التي تداولتها المرويات الشعبية، والتي لها علاقة وثيقة بتلك الأيام.

حكاية «سعد» بطل الخمسينية

كان سعد شاباً قويا مغامرا، وفي يوم دافئ من أيام الشتاء مع نهاية المربعانية قرر السفر، فحاول والديه منعه من ذلك خوفا عليه؛ فأبى إلا أن يسافر، ولما رأى والده إصراره، نصحه أن يتزود بالفراء والحطب اتقاء للبرد المحتمل والمطر، إلّا أن سعداً تجاهل النصيحة ولم يستمع إليها، ظاناً أن الطقس لن يتغير. 

فركب ناقته وسافر تاركا والديه في خوف وحيرة، وبعد يومين من سفره نظرت والدته شمالا فرأت الغيوم الشمالية فخافت على ولدها سعد، فقال زوجها والهواجس تقتله: (إن ذبح سعد سلم، وإن لم يذبح هلك).

وما أن بلغ سعد منتصف الطريق حتى تلبدت السماء بالغيوم وهبت ريح باردة وهطلت السماء مطرا وثلجا غزيرا، ولم يكن أمام سعد سوى أن يذبح ناقته ليحتمي بأحشائها من شدة البرد، لذا أطلق على الفترة الممتدة من 1-13 شباط/ فبراير بـ «سعد الذابح».

وبعد أيام شعر بالجوع ولم يكن أمامه سوى أن يأكل من لحم الناقة وأحشائها وبذلك أطلق على هذه الأيام «سعد بلع» وتمتد من ١٣- ٢٥ شباط/ فبراير.

وبعد أن انتهت العاصفة وظهرت الشمس خرج سعد من مخبئه فرحا بنجاته؛ فسميت هذه الأيام «سعد السعود»، وتمتد من 26 شباط/ فبراير إلى 10 آذار/ مارس.

وقام سعد خوفاً من أن تتكرر العاصفة بصناعة معطف من وبر الناقة وجلدها، وأخرج اللحم المتبقي الذي كان قد خبأه في الثلوج ليتزود به فسميت هذه الأيام «سعد الخبايا» وهي الفترة الممتدة من 10 إلى 22 آذار/ مارس وتصادف بداية الاعتدال الربيعي.

وارتبطت حكاية سعد بخمسينية الشتاء لأنها في الأصل حكاية تمثل الظواهر الطبيعية والفلكية التي تتكرر كل عام في خمسينية الشتاء. 

فأيام سعد الذابح التي تمتد من ١ إلى ١٣ شباط/ فبراير هي فترة البرد الشديد والأمطار الغزيرة والثلوج، يقال في الأمثال الشعبية: (سعد ذبح كلبه ما نبح، وفلّاحه ما فلح، وراعيه ما سرح).

أما أيام سعد بلع التي تمتد من ١٣ إلى ٢٥ شباط/ فبراير فهي الفترة التي يقال فيها أنه مهما أمطرت السماء فإن الأرض تبتلع مياه المطر بسرعة. فيها تفيض الأنهار وتمتلئ الآبار

ويقال في الأمثال: (بسعد البلع بتنزل النقطة وبتنبلع).

وترمز فترة سعد السعود التي تمتد من ٢٦ شباط/ فبراير إلى ١٠ آذار إلى بداية الدفء فيقال في هذه الفترة «تدور الميّة بالعود» كناية عن بداية سير النُّسغ في جذوع الأشجار وأغصانها، كما يقال «يدفأ كل مبرود».

أما أيام سعد الخبايا الممتدة من 10 إلى 22 آذار/ مارس فهي الفترة الني تدفأ فيها الأرض وتبدأ الكائنات بالخروج من مخابئها، وتظهر الحشرات ويدب في الأرض ربيعها، فيقال في «سعد الخبايا تطلع الحيايا» في إشارة لخروج الأفاعي، كما يقال «في سعد الخبايا تتفتل الصبايا» في إشارة إلى خروج الفتيات إلى الحقول.

يحتل شهر شباط/ فبراير معظم خمسينية الشتاء ويتسم بالبرد والمطر وتقلّب الجو إلا أنه بشكل عام يمتاز بالدفء مقارنة بفترة المربعانية في شهر كانون الثاني/ يناير لذلك يقال: (شباط: إن شبط أو خبط ريحة الصيف فيه) بمعنى أن فيه رائحة الدفء، ففيه تسقط الجمرات الثلاث (جمرة الهواء) في ٢٠ شباط/ فبراير، فيشعر الناس بدفء الهواء. (وجمرة الماء) في ٢٧ منه فيدفأ الماء، (وجمرة التراب) في ٦ آذار/ مارس فتدفأ التربة.

المستقرضات أو أيام العجوز

وفي نهاية هذا الشهر (شباط/ فبراير – وبداية آذار/ مارس) يشهد الطقس أياماً باردة وماطرة وكأن الطقس عاد لفترة الشتاء الباردة، وهي أيام «المستقرضات» أو أيام «العجوز» ولهذه التسمية حكاية تقول: إن عجوزا خرجت من بيتها عندما بدأ الطقس بالتحول إلى الدفء وبدأت بغزل الصوف مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة والجو المعتدل. وبدأت تلك العجوز تتشمت بشهر شباط وتقلباته، وتردد ما يقوله الناس عن هذا الشهر: (راح شباط الخبّاط لا أخذ مني عنزة ولا رباط). (راح شباط الغدار وجاء آذار الهدّار)، فسمعها شباط وغضب لهذه الإهانة فاستنجد بابن عمه آذار/ مارس قائلا: (آذار يا ابن عمي، أربعة منك وثلاثة مني، منخلي دولاب العجوز يغني) والدولاب هو المغزل. أي أنها تُشعل دولابها الخشبي لشدة البرد. فاستجاب له آذار فلم تجد العجوز بداً من أن تجلب كل ما لديها من حطب لتوقد مدفأتها حتى المغزل.

الحسوم

وهي سبعة أيام باردة وفيها ريح شديدة تبدأ من ١٠ إلى ١٧ آذار/ مارس. وهي فترة تلاقح النباتات، وتتميّز بكثرة هبوب الرّيح. وسمّيت بالحسوم لأنّها تحسم بين فصلي الرّبيع والشتاء. وكان الناس يعتقدون أنّ فترة الحسوم هي فترة نحس، إذ أنّه لم يكن يحدث فيها زواج، ولا معاشرة اعتقادا منهم أنّ الجنين سيولد مشوّها. الفلاحون أيضا كانوا يتشاءمون من هذه الفترة ويمتنعون عن أعمالهم الزّراعيّة فيها.

والآن استعدوا للشتاء ومتابعة مسمياته وأقسامه، إلى الأربعينية التي تدق الآن على الأبواب.. شتاؤكم حب ودفء يا أحباب.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s