سعد عبد الرحمن
اللوحة: الفنان العراقي احمد عبد الله
أغلب الألفاظ تتغير معانيها مع الزمن، وقد تبقى الصلة بين المعنى الجديد والمعنى الأصلي القديم واضحة أو تخفى فلا تبين إلا بالبحث والتدقيق، ومما يؤسف له وعليه أنه ليس لدينا حتى الآن في لغتنا العربية – على قدم وتنوع ما فيها من معاجم – معجم تاريخي يرصد التحولات التي طرأت على معاني الألفاظ في استخداماتها من عصر إلى عصر، وقد استدرك بعض علماء اللغات الأجنبية (الغربية) المحدثون ذلك بخصوص لغاتهم أما علماؤنا ومجامعنا اللغوية فما زالوا يبحثون هذا الأمر ونأمل أن يأتي بحثهم بشيء مفيد فيما يتعلق بهذا الأمر.
لفتني إلى ذلك كلمة “فشل” ومشتقاتها التي تدور في استخدامنا الحديث لها حول معنى “الإخفاق” وهي في استخدامها الأصلي تدور حول الضعف والتراخي ففشل أي تراخى وضعف، وفاشل أي متراخ وضعيف، وثمة علاقة لا تخفى بين المعنيين القديم والجديد فالفشل بمعنى التراخي والضعف سبب رئيس للإخفاق، وكذلك كلمة “كتب” ومشتقاتها التي تعني تسجيل الأمور بالخط على الورق وغيره، بينما هي في أصلها اللغوي تعني التقييد فكتب الرجل دابته أي قيدها والصلة بين المعنيين الحديث والقديم لا تحتاج إلى بيان فانت إذا كتبت شيئا بالخط فكأنك قيدته فلا يتوه أو يضيع، وكلمة “جد” من الجدة تدور في معناها حول الأشياء والأمور التي ظهرت للتو ولكن الأصل فيها القطع، فالقماش الجديد أي المقطوع حديثا، وكلمة “تقدم” ومشتقاتها، هي في الأصل مشى على قدمه ثم استعيرت للدلالة على السير إلى الأمام، ومعظم الألفاظ مثل “كتب” و”جد” استخدمت – في معانيها المتداولة الآن – في البداية على سبيل المجاز ثم مع الزمن انقطعت الصلة في أذهان الناس بين المعنى المتداول الحديث والمعنى الأصلي القديم، وهكذا فإننا إذا دققنا في كثير من الألفاظ نجد أننا لا نستخدمها في معانيها الأصلية كما استخدمها العرب القدماء، بل نلاحظ أن بعض الألفاظ قد لبس في كل عصر لبوسا مختلفا من المعنى عن العصر الذي سبقه فتتعدد معانيه أو دلالاته، مثل كلمة “ادب” التي كانت تعني في العصر الجاهلي الدعوة إلى الطعام، ومن هذا المعنى جاءت كلمة المأدبة؛ ثم اخذت في عصر البعثة النبوية وصدر الإسلام معنى تربويا “أدبني ربي فأحسن تأديبي” واستمر هذا المعنى زمنا طويلا فكان المعلم يسمى “المؤدب” ثم صار “الأدب” بعد ذلك هو جماع الكلام الجميل من الشعر والنثر، والأديب هو الشاعر أو الناثر، وكثير من الألفاظ تظل تستخدم في عصرنا لمعنيين أو أكثر ظهر كل منها في عصر مختلف، ولكننا إزاء ذلك نلجأ إلى السياق الذي ورد فيه اللفظ لنتبين المعنى المراد .