مجلس الآباء

مجلس الآباء

أيمن جبر

اللوحة: الفنان الروسي فيكتور بوريسوف موساتوف

يواصل الكاتب أيمن جبر قصته المطولة بعنوان «ببساطة» ويمكن قراءة الفصول الأولى من خلال الرابط أسفل النص.

جلس مدير المدرسة في غرفته منتظرا أن يبدأ ذلك الاجتماع المُمل، اليوم لقاء مجلس الآباء ويتوقع أن يمر كالعادة في نفس سلسلة الروتين، عدد الآباء سيكون قليلا كالعادة والحضور معروفون  فلا حاجة للانتقال لصالة الاجتماعات الكبيرة، ليُعقد في غرفته ويُسَوَّد المَحضر.
سينتهي الاجتماع مثل مئات الاجتماعات التي مرت من قبل، لن يُعقد لدراسة صالح الطلاب والمدرسة بل لصالح أبناء الحضور فقط، يَمنح الآباء المدرسة بعض الجنيهات كمساهمة مقابل سَماحية لأولادهم وتسهيلات.
ليست تسهيلات تتيح مزيدا من الشرح والدرس وإنما مزيدا من التساهل في الغياب والتزويغ المبكر من المدرسة، بالإضافة إلى نيل أولادهم الدلال على المدرسين والمدير، وكله بثمنه.
قطع هذا السكون التام دخول حشد من الناس إلى غرفته يتساءلون عن الاجتماع، وقف المدير مذهولا وهو يحدق فيهم، رد بلا شعور: أي اجتماع؟ ظن أنهم دخلوا على سبيل الخطأ، لكن؛ ولخيبة أمله كانوا بالفعل يقصدون اجتماع مجلس الآباء، لم يكن أمامه إلا أن ينتقل لصالة الاجتماعات، وبعد قليل افتتح الجلسة.
كان أسود يوم في حياة المدير الوظيفية، لم تُنشر أمامه عورات المدرسة كما اليوم، قام كل ولى أمر بذكر مُدرس وموظف بالاسم كأنه عَرض فيلم سينمائي بلا مقص رقيب لكل ما يحدث في المدرسة، كان مطلبهم الوحيد هو؛ أن تعود المدرسة والمُدرس لرسالتهما الأصلية السامية، شمل كلام الآباء مزيجا من تهديد، مبطن حينا وظاهرا حينا، بالتقدم بشكوى متصاعدة لأعلى المستويات.
وعدهم المدير خيرا وانفض الاجتماع بعد أن ظن المدير أنه يوم بلا نهاية، فكر المدير كثيرا وطويلا؛ هؤلاء الآباء ليسوا من الأغنياء أو أصحاب السلطة ولكنهم معروفون في المدينة ولهم وجاهتهم واحترامهم، كما أن عددهم لا يتيح للمدير خيارا أن يتقصد إبنا من أبنائهم فيجعله يكره نفسه وحياته أو يكتب بلاغا أمني بأنه ينتمى لجماعات إرهابية.
موقف معقد وجديد، والأعقد منه أن يستجيب لهم؛ وأن تعود المدرسة مدرسة، والمدرسون مدرسون، والطلاب طلاب، والتعليم تعليم حقيقي.

سرحان والأوغاد


وقف الأستاذ “سرحان” في الحصة الأخيرة يشرح للطلاب وهو يلتفت دوما إلى الكرسي في شوق وأمل بعيد، وكلما هم بالجلوس سارعه طالب بسؤال يستلزم وقوفه للكتابة والشرح.
وعندما ظن أن الحصة قاربت على الانتهاء جلس يحدق في الطلبة، تمتلئ نفسه بكل أفكار نظرية المؤامرة، هؤلاء ليسوا الطلبة المراهقين الذي يعرفهم، الذين كانت كل أفكارهم ومطالبهم المغادرة في أقرب وقت وعقب رصد الغياب من الموظف، والذين لا تنقطع نكاتهم وسخريتهم طوال الحصة. 
اليوم؛ ما من فصل إلا وفيه عِدة أوغاد يحملون ورقة بها بعض الأسئلة، لا أعرف من هذا الإبليس الذي أعطاها لهم، ما إن ينتهي الأول؛ يظهر الثاني، لا يخطر ببالهم أن يرحموني ويُبقوا لي بقية جهد لدرسي الخاص!

بالأمس كنت أتجاهلهم وأتملص منهم، فمن يريد الزُبد من العلم يجده عندي في درسي الخاص.
أما اليوم؛ فأنا أمام عشرات من الجواسيس لا الطلبة، لا أضمن إن صَدر مني أي مخالفة أو تكاسل أن أجدها مُسجلة في مجلس الآباء أو في شكوى جماعية من الطلبة أو أولياء الأمور، بل ربما أجدها مصورة في فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي.
لماذا نحن فقط الذين نلتزم ونُصلح؟ 
الفساد للركب!، المنظومة كلها فساد من أسفها إلى أعلاها.
لماذا يظلموننا ونُجْبَر على التطهر؟
هؤلاء الآباء حالمون!، مبادرتهم تلك؛ ما هي إلا زوبعة في فنجان، سوف تفشل حتما، ولكن يا ترى! كم “سبوبة” ستفوتني؛ حتى ينتهي هذا الكابوس؟، استيقظ الأستاذ “سرحان” من تأمله؛ على طالب يوقظه؛ قائلا: “أريد شرحا لهذا التعريف يا أستاذ”!


اليقظة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s