سعد عبد الرحمن
اللوحة: الفنان السعودي محمد الرباط
من الدعاوى العريضة لرواد الشعر الحر او بتعبير أدق “شعر التفعيلة” أنهم ادخلوا فتات الحياة اليومية ومفردات اللهجة العامية وتعبيراتها إلى القصيدة الحديثة فصار ذلك من سماتها الأسلوبية، وقد نظر (من التنظير) بعض النقاد المحدثين لتلك الدعوى العريضة، وضربوا في كتبهم ومقالاتهم الكثير من الأمثلة لإثباتها، ومن تلك الأمثلة التي كانت تتردد على اقلامهم وألسنتهم قول الشاعر الرائد صلاح عبد الصبور في قصيدته “أحزان الفارس القديم“:
وشربت شايا في الطريق
ورتقت نعلي
ولعبت بالنرد الموزع بين كفي والصديق
قل ساعة او ساعتين
قل عشرة أو عشرتين.
وهي دعوى عريضة لأن الشعراء العرب – والمصريين منهم على وجه الخصوص – فعلوا ذلك من عدة قرون من الزمن.
ومن الأمثلة على ذلك قول صلاح الدين الصفدي (696: 746ه)
وجرة أظهروها
والراح فيها كمينة
شممت طينة فيها
فرحت “سكران طينة“
وقول ابن دانيال الموصلي (647: 710 ه)
ما عاينت عيناي في عطلتي
أسوا من حظي ومن بختي
قد بعت عبدي حماري وقد
أصبحت “لا فوقي ولا تحتي“
وقول عمر بن الوردي (691: 747 ه)
وتاجر شاهدت عشاقه
والحرب فيما بينهم دائر
قال: علام اقتتلوا هكذا؟
قلت: “على عينك يا تاجر“
وقول ابن نباتة المصري (686: 768 ه)
سألت النقا والغصن يحكي لناظري
روادف أو أعطاف من زاد صدها
فقال كثيب الرمل: “ما أنا حملها”
وقال قضيب البان: “ما أنا قدها“
فتعبيرات: “سكران طينة” و”لا فوقي ولا تحتي” و”على عينك يا تاجر” و”ما أنا حملها” و”لا انا قدها”، كلها تعبيرات استعارها الشعراء من اللهجة العامية المصرية واستخدموها في قصائدهم الفصيحة دون تبجح بذلك الاستخدام من شاعر أو ناقد.
معاني بعض المفردات: فيها اي فمها، وكمينة اي كامنة (الصفدي)، النقا أي كثيب الرمل الناعم، قضيب البان أي عود البان وهو نبات يشتهر بانه لدن لين (ابن نباتة).
ممتاز
إعجابإعجاب