التعري المؤلم

التعري المؤلم

خالد جهاد

اللوحة: الفنان البلجيكي رينيه مارغريت

لربما كان السر خلف فراق الكثير من الأحبة بسيطاً لكنه جوهري وعميق، تغلفه الكلمات المنمقة والأعذار الرقيقة لكنه بتجرد يكمن في (التجرد) أو إزالة الأقنعة في حالةٍ من التعري المرفوض بين من ينبغي عليهم حقاً فعل ذلك..

لا لعيبٍ فيهم بل لقلقٍ يسكن الروح، من محبٍ يخاف إظهار احتياجه ووجهه الطفولي ومشاعره البريئة أمام محبوبٍ يرى ذلك ببساطة ضعفاً أو عيباً، أو أمراً لا يعنيه في زمنٍ سريع الإيقاع، عابر المشاعر، متقلب المزاج كطيرٍ لا يثبت في مكانه، لا يحب رؤية الوجوه دون تجميل والأرواح دون تصنع، ترهبه العفوية والبوح..

فيسأل أحدنا نفسه ما قيمة أي حب في غياب الصدق والوضوح؟ ما معنى عري الجسد مع قناعٍ يغطي الروح؟ ما معنى أن تشعر بالوحدة الشديدة بجوار من تحب؟ ما معنى أن تحسب كلماتك، وتكتم احساسك، وتنكر وجعك، وتكبح قلقك، وتلجم دمعتك، وتخفي خوفك خوفاً من رحيله؟ ما معنى أن تكون شخصاً آخر مع من يفترض أنكما كيان واحد؟ ما معنى أن تتخلى عما تحب لأجله بينما يفعل ما يزعجك مع علمه بذلك؟ ما معنى ألا تصارحه بعيبه؟ ما معنى أن تنصهر فيه فتجعله محور حياتك فيم تظل خياراً هامشياً بعيداً عنه؟ ما معنى غيابه في أشد اللحظات حزناً أو فرحاً؟ وما قيمة الندم بعد احتراق المشاعر في أتون الكتمان؟ كمن يطبع قبلة ً على جبين ميت، أو يذرف أنهاراً من الدموع، أو يزرع بستاناً من الأزهار حول قبر من تمنى من كل هذا لحظة ودٍ حقيقية، أليس ذلك أشبه بالاستحمام أو النوم مرتدياً (الملابس الرسمية)، وأقرب إلى اجتماعات العمل أكثر من العلاقات العاطفية، أليس من المؤلم أن تتلهف قطةٌ أو كلبٌ لرؤيتك ومعانقتك بكل ذرةٍ في كيانها فيما يراك (الحبيب الافتراضي) بعد غيابٍ قائلاً ببرود أهلاً. ما بك؟ لتكون الإجابة المثالية.. أهلاً.. لا شيء..

هل يفترض أن نحدق في السقف طويلاً مع حفظنا لشكله رغم نسياننا للون أعيننا لأن نظراتنا لم تلتق منذ زمن؟ وهل يفترض أن يموت الطفل بداخلنا لأننا (ناضجون) فنتجنب اللعب والسكاكر والمقالب والمداعبات؟ وهل تعيدنا خيبات الحب إلى مربع الصمت الأول.. نصادق النافذة ونلازم الشرفات، ذاكرة حبنا صافيةٌ كمجنونٍ أو كطفلٍ في الرابعة من عمره، يسمع حكايةً تساعده على النوم بجوار دميته المفضلة، تبهره النجوم، تشغله السماء، ويسحره القمر، عرى قلبه لمن يحب فألبسه ثوباً من ألم، وارتضى بقهرٍ أن يرتديه على البوح بعذابه لأحد، كسجنٍ مؤبدٍ في القرب أو الفراق..

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s