دعاء صابر

اللوحة: الإنجليزي إدغار هانت

بصوته الجهور المبحوح ينادي فيهم: 

– يا معشر البط المقلم! لقد انقلبت الموازين وكثر البط السادة بيننا، لا بد من وضع حلول قاطعة لتلك المهزلة المتكررة، لذلك سأسمح لكم بالتجاوز وعرض وجهات نظركم المختلفة؛ علّنا نجد في واحدة ما يخوّل لنا حشوهم بالفريك بدون سماع بطبطة أي بطة أخرى.

قام ذكر بط عجوز، فسبح نحو رئيس البط، وانحنى يحيي العوامة البطة بإجلال ثم تكلم:

– منذ فجر التاريخ ونحن معشر البط المقلم نمارس حياتنا بأريحية في كل شيء، إننا نسبّ بعضنا عيانا بلا تكلف، ونأكل أكل بعضنا البعض، نسبح في اتجاهات عشوائية وننسحب يمينا أو يسارا بشكل مفاجئ بدون إعطاء إشارة لأي بطة، نتغوط في الماء الذي نشربه ونشرب الماء الذي نتغوطه، كل تلك الأريحية تمثل لنا أسلوب حياة متكامل، كل شيء يسير بأريحية حتى تقديس البطة العوامة، تلك البطة هي من ألهمتنا في الأساس، كونها هوائية من الداخل وطائشة بلا رادع هو ما أرشد خطانا إلى السبيل الذي نحن فيه الآن، لذا فأريحية مجتمعنا هي في الأساس انعكاس لتقديسنا لهوائية بطتنا العوامة.

أولى ظهره للبط وأخذ غطسا مفاجئا في الماء ثم نفض جسده سريعا وأكمل:

– أما الآن فنحن نشهد شيئا جديدا نخشى بسببه أن تزول أريحيتنا، وأن يستجلب هذا علينا غضب البطة العوامة «فتفسّي» منا، هذا الشيء هو ظهور البط السادة بيننا، هذا البط السادة لا يعيبه فقط أنه سادة، إنما عيبه العظيم أنه بط يحب النظام!

تعالى صوت بطبطة البط الواقف فبطبط البط العجوز ليسكتوا: 

– هذا البط الفاسد لا يأكل سوى ما يصطاده لنفسه، بل وإنه يأكل ما يشبعه فقط، ولا يأكل فوق طاقته! أي بطٍ هذا الذي لا يأكل حتى يمتلئ حلقه بالطعام!

أثناء انفعاله تقيأ بعض الطعام ثم أكمل:

– هذا البط السادة، يسير في مجموعات منظمة، ويراعي آداب الطريق، ولا يأكل الخبز المبلول، ولا يشرب سوى الماء النظيف! هذا البط..! هذا البط….!

ثم أطلق سبّة بطبوطية عنيفة لم يتأثر على إثرها أي من الموجودين: 

– إننا مهددون بسخط البطة العوامة علينا في أي وقت، وإني أحذركم؛ وجود هذا البط السادة يهين بطتنا العوامة، وكما قلت لكم من قبل، إذا ما «فست» البطة العوامة فلن نستطيع نفخها من جديد؛ لأننا بعنا المنفاخ في أزمة الذرة السالفة، لذلك فأولى بنا جميعا ألا نغضبها.

عاد ذكر البط العجوز إلى موضعه وسط صمت مخيم لم يقطعه سوى تقدم رئيس البط: 

– الآن وقد سمعنا خطاب ذكر البط الحكيم هذا، آن الوقت إذن لنسمع رأي ذكر البط الحكيم فيما يتعين علينا فعله.. تنحى رئيس البط جانبا، وتقدم ذكر البط العجوز مجددا، وحيا العوامة البطة بنفس الطريقة:

– كما رأيتم جميعا، لقد اتفقت الآراء المختلفة مع ما قلته قبل قليل، لذا تبقى أن نقرر معا ما يجب فعله؛ وهو بالطبع إبادة البط السادة من بحيرتنا الراكدة حتى يكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه أن يخالف هوائية مجتمعنا وأريحيته.

انفض المجلس المهيب بانصراف رئيس البط وذكر البط الحكيم، وبدأت عملية الإبادة الشاملة للبط السادة في كل مكان، أصبح التقاء بطة مقلمة مع بطة سادة يساوي موت البطة السادة بعد نتف ريشها، البط المقلم عنيف كما تعلم!

لم تستمر الحرب طويلا؛ لأن وباءً اجتاح البحيرة نتيجة الحياة الأريحية التي كان يعيشها البط المقلم فأودى بهم جميعا على حدٍّ سواء، لكن حتى لو كان للبط المقلم فرصة للنجاة لم يكن ليعلم، ولو علم لم يكن ليفهم، ولو فهم لم يكن ليقتنع، ولو اقتنع لم يكن ليمتنع عن قتل البط السادة، والذي لم يعلمه البط المقلم هو أن البط السادة انبثق من جيناته هو نفسها، ذات الجينات القذرة للبط المقلم كانت تحمل في داخلها جينات البط السادة، لذلك فمهما أبادوا البط السادة بوحشية، فسرعان ما سيعود للظهور من جديد، الشيء الآخر هو أنه لم يكن هنالك اختلاف بين البط المقلم والبط السادة، كانوا جميعهم بط أصفر!

• قصة