فواز خيّو
اللوحة: الفنان الأميركي يعقوب لورانس
القراءة كالطعام تماما، اثنان يتناولان نفس الطعام، عند أحدهم يتحول إلى قوة ورشاقة، ومناعة، حيث تحلل الطعام إلى فيتامينات وحريرات. وعند الثاني تحوّل الطعام إلى تكرّش وهمود، لأنه لم يهضم الطعام جيدا.
أيضا القراءة، عند الأول تتحول إلى قوة من خلال تحللها إلى فيتامينات تمنح الطاقة في الرؤية والتقييم وتحليل الأمور، والقدرة على معاينة الواقع، أو ما يصادفه من عقبات ليتعامل معها بالشكل الأمثل، وعند الثاني تتحول إلى تكرّش معلوماتي ومرض، فهو يحفظ غيبا ما يقرأ، ويتباهى في استعراض قراءاته، لكنه لم يتطور قيد أنملة، فهذا قرص (سي دي) أو فلاشة تعيض عنه.
لهذا ترى البعض يتكلّم كحكيم ويتصرّف كبغل.
الثقافة سلوك ووعي ونمط حياة، وليس حفظ معلومات.
ثقّف السيف صقله، أي جعله قاطعا وفعّالا.
المثقف من أسماء السيف.
المثقف الحقيقي، كلما قرأ كلما أدرك نقصه، وأن عليه أن يقرأ ويعرف المزيد. فقط الغبي من يعتقد أنه بلغ المعرفة والحقيقة.
هذه الأمراض هي التي شتّتْ النخبة عندنا، حتى صرنا نعتقد بأننا بلا نخبة حقيقية.
لدينا مثقفون ومفكرون و لكنهم لا يشكلون جبهة متماسكة تجعلها ذات تأثير كبير في المجتمع.
في كل الدنيا، الأدباء والمفكرون، المثقفون النخبة هم من مهّدوا وقادوا التحولات الكبرى و لكن عندنا كانوا عبئا على التحولات وصانعيها من الشباب المتحمس.
وفوق ذلك لم يتحرر المثقف من موروثه ومن أدرانه المذهبية والطائفية، وكم من مثقف أو كاتب كبير نراه يلجأ إلى جُحره الطائفي عند التحولات المهمّة.
لا يمكن أن تُبنى الأوطان إذا لم يكن الولاء الأول للوطن.
الطائفة قد تحميك مؤقتا، لكن حين يُبنى وطن حقيقي فإنه يحميك دائما ويمنحك الأمان والدفء، فتنتج أكثر وتتألق.
مذكرات حزبية
كنتُ حادا كثيرا في مداخلاتي في الفرقة الحزبية، حيث حشد كبير من الزملاء، ولا أبالغ إذا قلت – والكثيرون يقرؤوني – إني وبعض الزملاء جعلنا من فرقة الجريدة فعالية كبيرة، طرحت الكثير من القضايا المهمة، وسببت مشاكل وشغلت القيادة مرارا.
وفي نفس الوقت كان حضوري ظريفا وطريفا، مرة ارتفعت قيمة الاشتراكات الحزبية، وصادف ذاك مع ارتفاع سعر المازوت، دخلنا القاعة، وحين بدأ الاجتماع وقفت وقلت لرئيس الجلسة: والله يا رفيق اليوم عرفت أن الحزب يمشي على المازوت. كنت أعتقد أنه يمشي على البنزين. فانفجر الجميع بالضحك.
ومرة كانوا يحكون عن تمكين المرأة وحقوقها ومشاكل الزواج، وكان وقتها فاروق الشرع وزيرا للخارجية ومعروف أنه مهذب وليس نسونجيا على عكس مصطفى طلاس وزير الدفاع ونائب الرئيس خدام، فقال أحدهم مازحا: نحن الشرع سمح لنا بأربعة. فقلت له: إذا الشرع سمح لكم بأربعة فبكم سيسمح لكم طلاس وخدام؟ ثارت عاصفة كبيرة من الضحك.
ومرة كنت في كافيه الجريدة ومقابلها قاعة الاجتماعات، وكان الأستاذ جميل بدر وقتها هو المسؤول الحزبي وعضو قيادة الشعبة، كنت جالسا على الطاولة ولديّ ضيف، مرّ من جانبنا وقال لي: فواز (في اجتماع)، قلت له: دقائق.
بعد دقائق مرّ من جانبنا ثانيا وقال بإلحاح: فواز بدأ الاجتماع، فصرختُ به: مش شايف عندي (…) ضيف؟ ضحك ومضى، والضيف اعتذر وغادر، وحين دخلتُ قاعة الاجتماع وإذ الأستاذ جميل بدر على المنصة يحكي لهم بمرح ماذا قال له فواز.
كثيرا ما كتبت وتحدثت عن مشاكل الحزب الحاكم، وقلت مرة: حين يحصر الحزب التوظيف والعمل والمواقع والامتيازات في أعضائه، فهذا يجعل كل الناس والمنتهزين يندفعون ليدخلوا الحزب، وهكذا امتلأ الحزب بخصومه، وحتى أعدائه.
فلو كان التوظيف والمواقع والعمل مضمونة للجميع انطلاقا من حق المواطنة والكفاءة، فلن يأتي للحزب إلا الذين يحبّون الحزب ويؤمنون به، وبهذا يضمن الحزب أعضاءه ويكون من الصعب اختراقه.
حصل ذلك السلوك في معظم الدول التي يحكهما الحزب الواحد، و منه لم نر 40 مليون شيوعي سوفييتي ينزلون إلى الشارع لمنع سقوط الحزب والبلد، وفي دول المنظومة الشرقية أيضا.
معظم الأحزاب في الدول العربية والتي قدّمتْ نفسها على أنها معارضة، مارست نفس أسلوب الحزب الحاكم في تفرّد الزعيم وحاشيته وإقصاء كل كفاءة خوفا من طموحها، وظهرت بدعة الزعيم التاريخي للحزب و وكانت هذه الأحزاب نسخة مقابلة للحزب الحاكم، والناس لم ولن تعوّل عليه.
إن غياب المأسسة والعقلية والثقافة والفكر المؤسساتي يحول كل هيئة إلى مزرعة، ويفاقم الفساد.
أحمد: عرفت رح يرخصو الأحزاب؟
حامد: الأحزاب رخيصة من زمان.
أحمد: قصدت أنك إذا قررت تأسس حزب رح يمنحوك رخصة.
حامد: وبقدر بطلّع عليها قرض؟
فلسفتي في الحياة والسياسة أن امتزاج كل الألوان هو الذي ينتج اللون الأبيض.وأن يحبّك الناس خير من أن يخافوك، لأن القوة مهما بلغت ستضعف يوما، لكن طاقة الحب لا يحدّها شيء.
تكتمل الحياة باختلافها وتنوّعها.
المدينة العملاقة مثل دبي وغيرها بكل تعقيدها وتطوّرها وترفها، إذا أضرب عمال النظافة يومين فإنها تتحول إلى جحيم وكارثة.
القصر الفخم الكبير والمترف، لا تستطيع السكن فيه إذا لم يحتو على مرحاض.
السيارة الفاخرة التي تشتريها بمليون دولار، لا تستطيع قيادتها دون مرآة لا تعادل دولارا واحدا.
متى سيقتنع البعض أن الحياة مثل البناية، لا تقوم على عامود واحد حتى لو كان من المرمر؟
من رواية «تقرير إلى غودو» (تحت الطبع) للكاتب السوري فواز خيّو
صديقي المبدع فواز خيّو تحياتي
أشعر أنك تكتب مواضيع تمس روحي…
أتمنى المراسلة على بريدي الشخصي…
w.wahib@gmail.com
بكل الود: وهيب نديم وهبة
إعجابإعجاب