هيام علي الجاويش
اللوحة: الفنان الإنجليزي جون فردريك لويس
إذا سألت أحدا ما، ماذا تستطيع أن تفعل في أربع دقائق؟ بالتأكيد ستتفاوت الآراء، وتختلف الرؤى، فمنهم من سيقول: أتناول فنجان قهوة قد أعد مسبقاً، وآخر يقهقه ضاحكا ويقول: نطوي الساعات والسنين وربما العقود ونضعها في كيسنا المثقوب وكأننا لم نعشها ولن نعيش.
أما الشاعرة حنان عبد القادر في أنشودتها «ساحة العلم» فقد حلقت في هذه الأربع دقائق بجناحي فراشة، عابرة القرون، ومخترقة جدار الزمن؛ فمدت إحدى جناحيها ليصل إلى قرطبة وحاكمها، ولابن رشد ومثله من العلماء؛ لتضم به حوالي عشرة قرونٍ من الزمن،
وابن رشد مد جناحيه، أحدهما إلى سقراط وأفلاطون، والآخر إلى زمننا هذا وبعد هذا الزمن.
أما الجناح الآخر، فقد مدته الشاعرة إلى المستقبل من خلال ساحة رحيبة، هذه الساحة لم تكن معرض سيارات فاخرة، ولم تكن مهرجانات سباق خيول، ومسارح غنائية، وانتخاب ملكات جمال، ولم تكن لعرض الأزياء وأحدث صرخات الموضة، ولم تكن مكانا لتجمع الأولاد للعب الكرة، إنما كانت ساحة غير مؤطرة بزمان أو مكان أو سقف أو مؤسسة أو أية صفة أخرى، فهي ساحة العلم التي يتوافد عليها كل طالب للعلم أيا كان جنسه أو عرقه أو مذهبه أو وضعه الاجتماعي ويلتقون في هذه الساحة، حيث نثرت قيما كثيرة مبتعدة عن التلقين المباشر والذي قد يؤتي عكس الثمار المرجوة.
والقيم عديدة، ولست بصدد تعدادها، لكن ألقي الضوء على أهمها، والذي يتسلح ببعض منها لابد أن يتسلح بباقي القيم بشكل تلقائيا، أولها وأهمها: الأخلاق، ومن يتسلح بالأخلاق يبقى، متمثلة قول الشاعر أحمد شوقي عن الأخلاق:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ….. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لقد كررت الشاعرة مفردة أخلاقنا عدة مرات، وكأنها تقول انتبهوا لا تغفلوا، أخلاقنا أنا وأنت وهي، فأن كانت صعبة فأنا أولكم في المسارعة إليها، وقد عززت دور المرأة في المجتمع من خلال المعلمات اللواتي يعطين وينثرن العلم والمعرفة، فينبهن العقول ويمهدن الدروب، مبتعدة عن ذكر المعلم ردا على المجتمع الذكوري، فللمعلمات دور لا يقل أبدا عب دور المعلم، ولا ننسى أنهن في الأصل أمهات، فهن من يضئن مشاعل العلم ويرتقين بالأخلاق، ويعبدن الطريق للعقل والفكر من أجل الرقي والتقدم وبناء الحضارة، والتي تحتاج للعلم والمعرفة، والحضارات السابقة للعرب شاهد على قدرتهن وبراعتهن ودورهن في تأسيس المجتمعات وبنائها.. ثم مرت على الوقت، والذي يكون مملا وطويلا بلا عمل وإنجاز، أما مع الانجاز فإن هذا الوقت نفسه يمر سريعا دون ملل، والنتيجة: علم وتعلم ورفعة، لكن لا بد من الإخلاص في كل عمل نقوم به مهما كان صغيرا، والإخلاص ثمرة من ثمرات الأخلاق.
وثمار العلم تحصد في الدنيا، وثوابها في الآخرة عظيم، فهي لم تخصص نوعا من العلوم الدنيوية أو الدينية.. الطبيب – المهندس – الفقيه – الرسام – المعلم – علم الفضاء – علم الارض – الفلاسفة – المؤرخون – الرياضيون – الفيزيائيون – الكيمائيون.. والعلوم كثيرة والقائمة تطول، لكن لابد من المتابعة والمثابرة لتحصيل العلوم بعيدا عن الحفظ والتلقين، مؤكدة على ضرورة فهمها، من أجل مستقبل كل فرد بذاته، ومستقبل البشرية جمعاء.
وقد ربطت الدين بالدنيا بقولها (للدين والدنيا جمعنا أمرنا) وبذلك نحصل على الفلاح واليقين، وهاتين الضفتين هما من صفات أهل الجنة في الآخرة، لكنها حصرت هاتين الضفتين على الذي ينال العلوم ويفهمها، ويعمل بها من أجله ومن أجل الآخرين، مذكرة أن الذي ينال الخير أولا هو الفرد ذاته من خلال إضاءة روحه، ومن ثم الإضاءة لغيره، من خلال الرغبات المحققة والآمال المرجوة، والمنى تفتح أبوابا للجميع، فالشجرة تظلل كل من يجلس في فيئها وليس زارعها فقط، لذا، فالنجاح مهدى للجميع وهنا تذوب الأنا، أي لا منافسة ولا استحواذ للجهد وثماره أيضا.
أما القيم الثلاث الأخيرة فقد كانت كالحضن الدافئ الذي احتوى القيم السابقة، أولها الأم ركيزة الأسرة الأساسية، فهي المعلمة والمربية والمضحية والمسؤولة عن نجاح أبنائها، ولذلك هي أول من تقطف ثمرة جهد أبناءها وتقطف ثمرة جهدها في أبناءها.
ثانيها تكمن في الياء في كلمة «معهدي» هذه الياء التي حلت محل الناء هي غير محببة في الحالات العادية لأنها تدل على التفرد وتعظيم الشخص لذاته، أما في هذه الحالة فقط أعطت الياء قيمة كبرى لمعهد العلم، حيث كل أحد طلب العلم فيه نسب المعهد له وكأنه خاصته، أي له برمته، وبتجميع هذه الياءات تصبح الملكية عامة ويصبح معهدي معهدنا.
أما ثالثها، القيمة المجتمعية الكبرى وهي الاختلاط بين الجنسين أي لا ذكور ولا إناث، بل شركاء بالآدمية، لا مفترس ولا فريسة، وتحل الأخوة – الصداقة – الزمالة – الرفقة الجميلة – الصحبة الصادقة، والحبيب أيضا، وعلى ذكر الحبيب هنا يكون الاهتمام موجها منضبطا لأحد الأفراد بعيدا عن الكبت والخوف والذي يكون الاهتمام شاملا لكل أفراد النوع ولا ننسى الكل متسلح بالأخلاق، فتكون العلاقات أكثر انفتاحا واتزانا، ولا أنفي وجود بعض الانفلاتات أو إن جاز لنا القول الحريات لكن تكون بحدود وإرادة الأشخاص أنفسهم، وهنا لا مجال للخوف على الضعيف.
وأخيرا لابد من مروري على إخراج الفيديو، عدا عن الصور الجميلة المعبرة، لفتني أن إطار الصورة عندما يسحب يتبقى من الصورة أقدام مغروزة ومتشبثة بالأرض والجذور، أو يبقى الرأس شامخا وكأن مخرج الفيديو يوحي لنا أن لا أطار يؤطر المتعلم، فهو متمسك بالجذور ورأسه يطاول عنان السماء.
كانت الصورة الرمزية حاضرة عند الشاعرة لفظاً، مثال: بتنا على باب التخرج حوما، وهنا نفذ الصبر وبات الوقت طويلا، وتصويرا من خلال طائر الحمام والذي هو رمز للسلام والتحليق والسمو.
المفردات كانت قوية المعنى، جزلة، ورقيقة اللفظ: دجى، فلاح، يقين، حوما، والثقة كانت قوية من خلال فعل الأمر والرجاء: تبتلوا، تقبلوا.. كيف لا، ونحن نهدي ثمرة تعبنا وجهدنا.
أما الموسيقى فقد كانت جميلة وبسيطة، تألفت من جملة أو جملتين أو ربما من مقام واحد وكأنها أنشودة من أناشيد التعبد، وكأن الملحن يقول: محراب العلم لا يقل عن محراب الدين، وكان صوت المغني جميلا ومعبرا، وأداؤه متميزا.
موفقة شاعرتنا الرقيقة بهذه الأربع دقائق، ولو أن كل منا استثمر وقته بهذا الشكل، لعاش عدة حيوات في حياة واحدة.
«ساحة العلم» للشاعرة حنان عبد القادر وغناء حمود الخضر
الانشودة تضع خارطة طريق لكل أفراد هذا الزمن الضحل والذي تمثل بالماديات والتصفيق للغث والردئ …
ولو كنت من يصممون المناههج لكنت وضعتها في بداية كل كناب ولكل المراحل ولكانت بعد تحية الصباح بعد النشيد الوطني حيث يعزف كل صباح
إعجابإعجاب
هيام علي الجاويش
شكرا لمحبتك الغامرة.. شكرا لتوقفك عند أنشودة طافت العالم العربي وضنوا علي بوضع اسمي عليها وهو حقي.
شكرا لإضاءتك لها.
إعجابإعجاب
أن كان في صدف الزمان رائعة …. فأنك خير ما جادت به الصدف
فأنت تستحقين ولولا ذلك لما قرأت ولما كتبت …
إعجابإعجاب
شكرا لك عزيزتي
لم أفعل غير ما يتوجب علي فعله
فما الذي يضيرني إن رأيت مبدعا يستحق وأخبرته بذلك؟
ستزداد الحياة بهجة بوجودنا جميعا
وأنت زهرة في بستان الإبداع، فأرجوك.. أزهري وتألقي.
كل المودة لروحك هيام علي الجاويش زهرة سوريا الحبيبة.
إعجابإعجاب