قصص قصيرة جدا

قصص قصيرة جدا

اللوحة: الفنانة السعودية ليلى مال الله

سليم الشيخلي

أنصار

تنشق من رائحة الكتب ما أنعشه، سواحل ملونة في الجانب الآخر، لكن صوت المذيع الداخلي يقول: يوجد لدينا طفل اسمه أحمد يحيى.. على ذويه الحضور لاستلامه. 

هرول دون اتجاه، ثم توقف فجأة؛ لأنه تذكر لحظة استشهاده في مغامرة فدائية، لم تكتمل منذ عشر سنوات في قلب الأهوار؛ إثر بلاغ أحمق.

إغفاءة

كانت عباءة جدي وحكاياته الأسطورية تلمنا صغاراً، تدفعنا النوم.. لمسة حفيدتي وحكاياتها عن سندريلا توسنني غطاءً، المسافة بينهما زحام في ذاكرة هلامية يلازمني كضياء محطة أور العتيقة. 

فتافيت

دفن الربيع والطفولة قبرين متجاورين، موانئ من السنين في جعبته المثقوبة، وطلقة على طرف اللسان، أطلقها على المرآة كي لا يرى وجهه مرة ثانية.

الأبيض

تأبط صحيفة الصباح وصعد الحافلة برشاقة، ماج البحر، براكين بحملها، غيرت الشوارع بدلتها, الأبيض ينتشر فيه، وقف في نفس المحطة، ساعده آخرون في النزول محاطا ببائعي الصحف وصباغي الأحذية، المتسولين وبنات الليل الذين مازالوا هناك كما تركهم.

مدد

فرش خريطة الوطن وتأملها، الأخضر مناطق زراعية، الأزرق أنهر وبحيرات، الأحمر آبار الزيت، مثلثات بنفسجية مناجم فوسفات، مغنيسيوم, معادن أخرى. جبال، طرق، آثار.. وضع عليها صندوق المساعدات الأمريكية وراح يتعشى.

كش ملك

ـ أرجوك، ارفعني عن هذا الخازوق ومررني بهم جميعاً.

ـ لماذا؟

ـ لأغنم وقتاً للراحة. 

العتمة

بعد أن أحيل إلى المعاش قسراً، تعود الجلوس في الشرفة مرسلاً عينيه تتفحص الشارع والمارة، غير مبالٍ أن كاميرته قد اتلفتها المياه الزرقاء.

صالح الجنوبي

خيمة مع الآخرين، ومؤامرة مع ذاته.. أصر على الوصول إلى منبع الفجر، عضته عروس الثورات، لدغته الحروب الخرافية، حاصره الزمن بكلاليب وأقنعة، وصل جريحا يشم مسحوق انتصار.. ابتسم عميقا وسامح الزمن.

الطلقة

هو الذي رأى وجوه الأحبة وطفولته يهرعان معها نحوه، امسك بعمود النور ليرحل واقفا.

السومري

تقهقر الليل، لكنه ظل في عماه.. الفجر لم يولد بعد!

حفنة ماء

وقف عصفور أحمق على سلك قرب عصفورين يمارسان الحياة، وظلا هكذا إلى الأبد!

غزوان

لثلاثة أيام، يوزع القهوة والأمل للأحياء الموتى، بعناد خرافي مثلما كان في حياته!

انتماء

دخل متاهات الأبدية، تروح الموانئ، يأتي الخريف، يداه تقبض الطين الأول، عيناه تعبان ماء العرش.. رسمته حدوتة وطنية مرميا في جرف دجلة، وجسمه مثقب بأساطير.

وجد

اقترب عموديا بنفس ثيابه، جثم على ركبتيه يقبل كف حفيدته ذات الثلاث شمعات، ويرسم عزما بعد غياب أبيها بالأسيد.. مسحت صلعته بعصفورتيها، فعاد فارسا من جديد. 

الحبر السري

ظل مطبق الحرفين حتى تمكن من بناء وطن داخل كوخه بيده وحده، في حفل وضع الطابوقة الأخيرة، اكتشف أنه لم يفتح أي شباك، ولم يتواصل مع الدرب بباب يقوده للصباح، أطبق عينيه على عالمه وراح يتنفس ببطء.

مستمراً

أحس بثقل أنفاسه، ولزوجة رأسه، وما يتبع ذلك، يتذكر أن أحدهم سأله: اعترف، لم يفهم السؤال، فقد تعطلت لغة الكلام.. وأشياء أخر.

متاهات

أغلق عيناً وترك الأخرى لمصيرها، أثث مدينة داخله وسكنها؛ ليتناسى الألم 

واللذة، تركه الآخرون، تبعه الأطفال بلهوهم السمج، بدل الفصول الأربعة، شكل الحلم، اخترع لغة خاصة ساهمت يداه في تشكيلها.. ما زال وجهه يسيح عرقا كلما تجيئه نشرة الأخبار بالصدفة!

رأي واحد على “قصص قصيرة جدا

  1. تبارك الله روائع للكاتب سليم الشخيلي
    يسعدني جدا تنشر لوحتي مع القصة القصيرة وشكرا لحانة الشعراء وللكاتب المميز

    إعجاب

اترك تعليقًا على غير معروف إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.