اللوحة: الفنان السوري زهير حضرموت
كان أحد القضاة الفقهاء على المنصَّة ينظر القضايا المتراكمة أمامه، والتي يصل عددها إلى ثلاثين قضية.. وفي يوم من الأيام مَثَل أمامه زوجان، جاء مع كل زوج منهما جَمْهرة من الأهل، قد احمرَّت أعيُنهم، وتجهَّمت قَسَمات وجوههم، وانتْفَخَت أوْداجهم. أدرك القاضي خُطورة الوضع، فقام باستدعاء الزوجين وحدهما، وأمر بأن يختليا في غرفة خاصة ويُغْلق عليهما الباب، وقام بتأخير القضية إلى آخر القضايا، فقد أراد أنْ ينفرد الرجل وزوجته لساعات على أمل العِتاب المتبادل، وطلب لهما أطايب الشراب والفاكهة على نَفَقته الخاصة، ثم حانت القضية للنظر؛ فطرق عليهما الحارس الباب وصحبهما إلى القاضي، وإذ بهما يعلن كل منهما التنازل عن القضية وانعقاد الصلح.. يقول القاضي: قمت بتطبيق تلك الطريقة بعدها في كل مرة يصادفني نفس الحال، وكانت النتيجة ناجحة بنسبة 75% على مدار ثلاثين سنة من عملي بالقضاء! وينصح القاضي ألا يلجأ الزوجان إلى “حَكَم” بينهما؛ إلا عندما لا يصبح هناك أي خيار آخر، ويُشدِّد على أنَّ “الحَكَم” ليس هو الأقرب في الدم، بل الأقرب في الرحمة والحِكمة والرغبة في لمّ الشمل، ولن تخلو العائلة ممن تتوافر فيه تلك الصفة والنية.
في قصة أخرى يحكيها البروفيسور “جاسم المطوع” أنَّه في إحدى الجلسات الودية للفصل بين زوجين، وكانا دائمي الشجار بلا توقف، قال لهما: عندي حل أخير قبل أنْ أطلقكما، وتوجه للزوج قائلا: هل تضمن أنك لن تتشاجر مع زوجتك اليوم فقط مهما فَعَلَت؟ فقال الزوج: نعم أضمن، ثم سأل الزوجة نفس السؤال؛ فقالت نعم أستطيع طالما لم يبدأ هو، ولكن ليوم واحد فقط.. فما كان من الزوجة إلا انْ أحسَّت بالأمان وزال التحفز، وألقت بأسلحتها الدفاعية والهجومية، ومر اليوم بسلام دون اشتباك بين الزوجين.
كرر القاضي الفرصة يوما بعد يوم، ثم اكتشف الزوجان أنَّ الشجار بينهما لم يكن إلا بسبب التحفز المتبادل، تحفزهما لمواجهة توقع تحامل كل منهما على الآخر، فلما ضَمِن كلاهما الأمان؛ زال التوتر وحل الوئام.
نريد مثل هؤلاء الفقهاء في حياتنا، وبلادنا، ودنيانا، وديننا، وسياستنا؛ وفي أشياء أخرى ربما سيأتي الحديث فيها بتداعياته لاحقا.

رائع استاذي الكريم
سلم القلم وصاحبه
إعجابLiked by 1 person