البردة (2)

البردة (2)

اللوحة: الفنانالسوري محمد غنوم

ماهر باكير دلاش

يَقْرَأُ صَمْتَ اللَّيْلِ وَهُوَ هَائمٌ

وَيَظُنُّ أَنَّهُ بِهُيَامِهِ يَعْلُو!

أَهَذِه الْأَمَانِيِّ الَّتِي تَجْمَعُهُ

بِمَنْ أَحَبَّ وَيَلتَئمُ الشَّمْلُ؟

كَمْ مِنْ عَاشِقٍ سَامَرَ

الْقَمَرَ وَهُوَ فِي الحُمْقِ يَلْهُو!

فَأَذْعَنَ لِهَوَى نَفْسِهِ طَائِّعًا

وَشَطَّتْ بِهِ الأَفكَارُ وَالسُّبُلُ

يُغَالِطُ النَّاسَ إِذَا ذَكَرُوا لَهُ

نُصْحًا كَأَنَّهُ بَينَهُمْ الأَعْقَلُ

ثُمَّ يَقْضِي اللَّيْلَ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ

كَأَنَّ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الدُّنْيَا بَدَلُ!

لَا يَدْرِي إلَى أَيِّ الْجِهَاتِ تَلَفُّتَهُ

وَلَا إلَى أَيْنَ تَقُودُهُ السُّبُلُ

وَيَنْأَى بِنَفْسِهِ عَمَّنْ حَوْلَهُ

يُسَائلٌ النَّفْسَ عَمَّا كَانَ يُؤَمِّلُ

ويشْكُوا صُرُوفَ الدَّهْر وَجَفَاءَهَا

فَهَلْ فِي صُرُوفِهَا مَا يُؤَمَّلُ؟

***

الصَّمْتُ دَوْمًا فِي الْحَيَاةِ مُنْصِفًا

وَالْكَلَامُ دَوْمًا بِالْبَلَاءِ مُوَكَّلُ

ذَاكَ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الشَّرّ لِنَفْسِه

وَذَاك بَابَهِ عَنْ الشَّرِّ دَوْمًا مُقْفَلُ

ذَاك اتَّبَعَ الشَّيْطَانَ مُرْدِفًا

وَذَاك جَاوَرَهُ الرَّسُولُ الْمُرْسَلُ

شُلَّتْ يَدَ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ غَادِيَةٍ

كَان نَفَثُ الشَّيْطَانِ لَهُ شُلُّ

وَحَمَى اللَّهُ الثَّانِي مِنْ غِلِّ

الشَّيْطَانِ وَمِنْ نَفْثَه لا يُبَلُّ

***

عَنِ الطُّفُولَةِ لَا تَسَلْ فَهِي

جُوُدٌ مِنَ الْمَوْلَى لَا يُمَلُّ

لَا يُضْمَرُ فِيهَا بُغْضٌ و

لَيسَ لِلأَضغَانِ فيها مَحَلُّ

ولَيْسَ لِلشَّيْطَانِ بِهَا مُقَامٌ

وَلَا سَبِيلٌ لِلطِّفْلِ كَيْ يَضِلُّ

أَلَيْس الْأَطْفَال هُمْ صَفْوَةَ

اللَّهِ لَهُ الْقَدْرُ الْأَعَزُّ الْأَجَلُّ؟

رَعَى اللَّهُ عَهْدَ الطُّفُولَةِ مَا

زَادَ الشُّعَرَاءُ بِهَا وَمَا أَقَلُّوا

هِي شَمْسٌ لِلْمَرْءِ وَهِي قَمَرٌ

رَيْحَانَةَ الْحَيَاةِ مِنْ فَوْقَهَا

سَحَائبٌ بِالْبَرَاءَةِ دَوْمًا تَهْطُلُ

***

البِرُّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ جَفَوْكَ

فَبِرُّهُمْ فِيهِ النَّجَاةُ والمَوْئِلُ

عُجِنَتْ الكَلِمَاتُ بين يَدَيهِمَا

بِالحَنَانِ وبين شَفَتَيْهِمَا العَسَلُ

قَمَرَانِ بِلَيلِكَ إِنْ دَجَتْ الدُنْيَا

دُرَرٌ كَأَنَّ السحابَ به الرَّهْلُ

فَكَيْفَ أَقُولُ فِيهِمَا شِعْرًا

وَهُما لِلْقَصِيدَةِ المَنْبَعُ النَّهلُ

وَمَاذَا أَقُولُ فِيهِمَا وَهُمَا

السَنَدُ والنُورُ والأَهْلُ

شُهُبٌ مِنَ الَلَّهِ في عَتْمَةِ

اللَّيلِ وفي الحُلْكَةِ تَعْلُو

سَلَكَا سُبُلَ الدِّينِ فَهَلْ

من سَالِكٍ لِلْهُدَى يَضِلُّ؟

بَنَى لَهُمَا الَلَّهُ في الجَنَّةِ

ظَلَلًا فيها فَيْءٌ وَظِلُّ

أَلَمْ تَتْلُ وَبِالوِالِدَينِ إِحسَانَا

أم أَنَّكَ جَاهِلٌ مِنْ حَيثُ تَجْهَلُ!

لا فَضْلَ لَكَ في الحُسْنَى، لَهُمَا

السَبْقُ وهُمَا التَلُّ والجَبَلُ

سَلَامٌ على قَبْرَينِ ضَمَّا الشَّمْسَ

والقَمَرَ وَرِضَاهُمَا ما يُؤْمَلُ

مِنْ الْمَاءِ غِيْضٌ وَمِنْهُ مُنْسَكِبٌ

وَمِنْ الْمَاءِ مَهِينٌ وَمِنْهُ الْمُهْلُ

فَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَاءِ مَا تَرْتَجِي

فَالْأَبُّ مُنْسَكِبٌ وَالْأُمُّ رَهْلُ

فارْغَبْ إلى الَلَّهِ وَلَيسَ لِغَيْرِهِ

فَهُوَ الوَلِيُّ وَخَيرُ مَنْ تَصِلُ

***

رَزَقَنِي اللَّهُ مِنْ النُّجُومِ ثَمَانٍ

بَيْنَهُا قَمَرٌ فِي اللَّيْلِ يَبْتَهِلُ

فِي النُّجُومِ بَوَارِقُ الْأَمَلِ

وَمَعَ الْقَمَرِ النُّورُ يَكْتَمِلُ

فِي الْمُقْلَ الصَفَاءٌ وَالسِحْرٌ

والْوَجْوهُ لُجَيْنٌ أَسَلَةٌ أَسُلُ

هَذَا الرَّحِيقُ وَهَذَا كَأْسُ الشَّاعِرِ

وَآَيَاتُ الَلَّهِ لَا يُحْصِهَا الرَّمَلُ

وَتِلْكَ النِعَمُ مِنْ اللَّهِ وَالْفَضْلُ

وَذَلِك نُور لَمْ يَشُبْهُ نَقْضٌ وَلَا فَتْلُ

أهْلي والبيت أَيَّها الرَّجُلُ،

مِنْهُمُ الرَّجاءُ بَعْدَ الَلَّهِ والأَمَلُ

‏رَزَقَهُمْ اللَّهُ جَنَّةً تَغْدُو لهم مَنْزِلًا

‏مِنْ الْمَاءِ الْمُبَارَكِ عَلَيْهِمْ تَهْطُلُ

***

فِي رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ

وَبَقِي هَوَى النَّفْسِ وَالْجَهْلُ

فَإِمَّا طَاعَةٌ وَإِمَّا اتِّبَاعُ هَوَى

النَّفْسِ فَلَا عَاذِلٌ وَلَا عَذْلُ

فَمَا قُلْتَ وَمَا فَعَلَتَ وَمَا

قَالَ سَوَادُ الرَّأْسِ لَا يسلُو

شَبَابٌ ضَاعَ بِمَهزَلَةٍ وَ

شَبَابُ فَتًى بَاتَ كَهْلُ

غَابَتْ وُجُوهُ اللَّيْلِ بَيْنَ

مَحِيقٍ وَبَدْرٍ إِذْ بَدَا الْأَصْلُ

تَذْرِفُ الْعُيُونُ دُمُوعَهَا، هَيْهَاتَ

يَنْفَعُ الشَّرْحُ أوَ تَنْفَعُ الْجُمَلُ

وَتَبْقَى الظُّنُونُ وَيَغُصُّ بِهَا

الْفُؤَادُ بِأَسْرَارِهَا الحَجْلُ

وَلَيْلَةٌ بِأَلْفِ لَيْلَةٍ كَأَنَّ الثُّرَيَّا

وَالنُّجُومُ عِنْدَ الْفَجْرِ شُعَلُ

وَالثَّرَى يُنْبِئُ النَّبْتَ يُطَالِعُهُ

الجَذْرُ مُنْتَصِبٌ جِذْلُ

لَيْلَة تَرَى بِهَا الشَّمْسَ بَاهِتَةً

كَأَنَّ رِيقِهَا يُغْلَى بِهِ السَجلُ

وَالسَّمَاءُ كَاشِفَةٌ لَا غَيْمَ بِهَا

وَقَدْ نَضَحَ مَاءَهَا الْغُسْلُ

لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَلْبَسُ الْفَجْرَ بِهَا

خُلعَةَ الْكَرَمِ فَلَا شُحٌّ وَلَا بُخْلُ

تَزْهُو بِهَا الْوُرُودُ وَتَزَدَهِي بِتَوَيجِهَا

فَيَتْبَعُ تُوَيجَهَا فِي اللَّيْلَةِ النَّحْلُ

**

نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ لَا حِيَادَ عَنْهَا وَ

وَنِعَمُ اللَّه عَلَى النَّاسِ حَفْلُ

لَا عَنْ شِرْكٍ وَلَا عَنْ نِفَاقٍ

وَلَكِنْ اتَّبَعُوا الْهَوَى فَزَلُّوا

رَ اليَوم إِبليسَ ذَا عِلَّة

رَائحَةُ النَجَسِ مِنْهُ تَهِلُّ

لا تَدَّخِرْ دُونَهُ لَعْنَةً، فَلَكَ

من الَلَّهِ في لَعنَتِهِ غُسْلُ

***

إِصَابَة كبد الْحَقِيقَةِ بِدَايَة الرُّشْدِ

فَفِي الرَّأْسِ عَقْلٌ وللقلب سُؤْلُ

إنَّمَا الْمَرْءُ بِرُشْدِ عَقْلِه وقَلبِه

فَأَيُّهُمَا ذَهَبَ مِنْهُ فَهُوَ فَسْلُ

وَكُلُّ شَيءٍ دُونَ المَهَانَةِ مُحتَمَلٌ

وَالْحَيَاةُ دُونَ الْكَرَامَةِ ذُلُّ

***

أَلَا عَارٌ عَلَيْكَ أَنْ تَكْتَسِي وَجَاركَ عَارِيًا

والعَارُ أَنْ يَجُوعَ وَأَنْتَ بِالتُخمَةِ تَرْفُلُ؟!

لاَ يُدْرِكُ الأَمَلَ الأَسْنَى سِوَى رَجُلٍ

كَانَ لِجَارِهِ سَنَدٌ والطَرْفُ إِلَيهِ أَمْيَلُ

أَرَضِيتَ لِلْجَارِ الفَقْرَ والعَوْزَ و

يَحدُرُهُ دَمْعُ الْأَجْفَانِ وَالْمَطْلُ؟

لِنَفسِكَ اصطَفَيْتَ الشَهْدَ والعَسَلَ

وَمَوعِدُ جَارَكَ الصَّابُ والنَطْلُ!

وتُحَمِّلَهُ مَا لَا يُحْتَمَلُ

أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْأَيَّامُ دُوَلُ!

***

تَنَفَّسَ الشَّوْق عَنْ وَجْدٍ جَمْرُهُ

وَالدَّمْعُ مِنْ الشَّوْقِ كَأَنَّه فصْعُلُ

وَقَدْ لَاحَ مِنْ الأُرْدُنِّ بَرْقٌ

وَطَنِي فِيهِ الْأَهْلُ وَالْكُلُّ

ألا مِنْ مُبَلِّغٍ عَمَّانَ عَنِّي أَنَّ

الْبُعْدَ عَنْهَا لَيْسَ هُوَ الْحَلُّ

وَلَيْسَتْ كُلُّ أَرْضٍ هِيَ نُزُلٌ

لِلْمَرْءِ وَمَا هِيَ أَبَدًا مَنْزِلُ

أَذْكُرُ عَمَّانَ في حِلِّي وَتِرْحَالِي

أَلَيسَتْ هي التِرحَالُ والحِلُّ؟

الْغُرْبَةُ كَشَّرَتْ عَنْ أَنْيَابٍ مَسْنُونَةٍ

فَلَا أَهْلٌ فِيهَا وَلَا رَفَقٌ وَلَا خِلُّ


البردة

رأي واحد على “البردة (2)

اترك تعليقًا على maherdallash إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.