«صيد الذئاب» – رواية لحسام أبو العلا وأحمد شنب

«صيد الذئاب» – رواية لحسام أبو العلا وأحمد شنب

شائق وشائك معًا ذلك النوع من السرد الذي يتناول صراع العقول بين أجهزة الاستخبارات، هو صراع معلوماتي في المقام، وإن كان هذا النوع من السرد لم يلق الاهتمام النقدي الكافي، إذ رآه البعض أنه أقرب للتأريخ منه للأنواع السردية المتعارف عليها، لذلك عزف عنه النقّاد ولم يمنحوه ما فعلوا مع الأنواع الاخرى من الأدب.

ولذلك فالدراسات المعنية بهذا اللون الأدبي المخابراتي شحيحة للغاية، بالكاد وجدت بعض ما كتبه د عادل نيل، أستاذ النقد بجامعة الأزهر، عن الرواية المخابراتية، في موجز نشرته مجلة الثقافية الجزائرية، يقول فيها: أن الرواية المخابراتية عمل فني تقوم فكرته الأساسية على صراع معلوماتي بين طرفين يمثلان دولتين أو أكثر.

 ويستند غالبًا إلى حقائق واقعية وتتداخل في الرواية الأبعاد الإنسانية التي تجسّدها حركة الشخصيات معتمدًا على وسائل سردية لتوفير عوامل الإثارة والتشويق والترقب، وتجاوز الطابع الوثائقي الذي تعتمد عليه طبيعة تلك النصوص من حيث اعتماد أحداثه على استقصاء معلوماتي له مآربه التي تتجاوز التعبير عن نوازع وتصرفات فردية.

ولا تخرج رواية “صيد الذئاب” عن هذا السياق، فهي زاخرة بكم رهيب من المعلومات، بعضها موجز مقتضب لعله من وثائق ومستندات رسمية اطّلع عليها المؤلفان، أخرى تفصيلية أعمل فيها الكاتبان خيالهما السردي.

الرواية تقترب من طريقة السرد التي عُرف بها الرائع “صالح مرسي”، من حيث الإيقاع السريع في السرد، الكم الحقيقة المختلطة بالخيال، التمرير الذكي للفكرة الرئيسة للعمل، إلقاء الضوء بشدة على منطقة زمنية مرت بها مصر وعاصرناها جميعًا، قد نتفق مع كثير من أحداثها أو نختلف، لكن تبقى الرواية أنها عمل سردي يُضاف للمكتبة العربية، يغطي مساحة زمنية في عمر هذا الوطن، الكثير منّا يجهلها، التعتيم المعلوماتي حولها رهيب واللغو بشأنها يطاول النجوم في بُعدها عن الأرض.

نشير في النهاية إلى أن الرواية المخابراتية لها أهمية استثنائية، لما ينسب ويلقى على كاهلها من مهام وطنية أو قومية تتعلق بأهميتها في تعميق الهوية العربية عموما والمصرية بشكل خاص، وتعزيز الشعور بالذات في مواجهة الآخر.

فالباعث الوطني في ذلك اللون الأدبي أحد أهم عناصر تكوينها وقد تسهم في إحداث هزيمة نفسية للأعداء مع وصولها إليهم، فضلًا عن قدرتها على سرد أحداث الماضي وإبراز حقائق التاريخ وصراعاته، إذ أن أحداثها المستقاة من الواقع تعدّ تأريخًا لمراحل من الصراع بين الأمة العربية ومقوّمات وحدتها (حسب ما يؤكد نيل في دراسته)

وهو ما أظن أن حسام أبو العلا ورفيقه في تأليف هذا العمل الرائع، قد حرصا على تمريره للقارئ بأسلوب سلس العبارة، يركز على المعاني المراد توصيلها مباشرة.

وإذا كنّا نؤمن أن قمة جبل الجليد تنبئ عن باقي جسد الجبل الجليدي، يقبع في الظلام برودة المياه، فإن “صيد الذئاب” على قدر ما حوى – كعمل روائي- من معلومات، أسماء، أماكن، كثيرها رمزي، فإنه تركنا – القُرّاء- في منطقة نضرب فيها أخماس في أسداس، فالمعرفة تغرق صاحبها في تساؤلات أكثر، حيرة أكبر، نظن أن لا علاج من ضرر المعرفة إلّا بقدر أكبر وأشمل من المعرفة.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.