تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو – الجزء الخامس

تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو – الجزء الخامس

اللوحة: الفنان الألماني فرانز مارك

عباس محمد عمارة 

تقوم هذه التقنية على التقاط ما يحدث خلال المنام من صور ومشاعر وتجارب، ثم إعادة صياغتها شعريًا في قالب الهايكو. تهدف تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو إلى الانفتاح على عوالم موازية للواقع، وإلقاء الضوء على هذه العوالم ومعايشتها من خلال صياغة أدبية جمالية، والاستفادة مما تقدمه من تجارب ومشاهد ثرية، سواء على المستوى الشخصي أو التاريخي أو الأدبي. ورغم ندرة تناول الأحلام في الهايكو، فإن نص (الهوكو) للشاعر ماتسوو باشو تشكل الركيزة النظرية الأولى لهذه التقنية:

أعشاب الصيف

هي كل ما تبقى من

حلم ع محاربين

**

عادة ما تناول شعراء الهايكو موضوع الأحلام من زاوية خارجية، فجاءت نصوصهم أقرب إلى الهايكو الذهني، المكتبي، والمصطنع، الذي لا يعكس تجارب حقيقية مر بها الهايجين أثناء المنام، كما أنه يفتقد التفاعل الحقيقي مع الأحلام التاريخية والأدبية. جاءت هذه النصوص سردية، تفتقر إلى الالتقاط الحسي والتجريبي لمشاهد الأحلام، كما أن هدفها كان غالبًا التعبير عن الطموحات والآمال، وليس تجربة الحلم ذاتها. تتجاوز تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو قيودًا تقليدية كانت تمنع استخدام بعض الأدوات الفنية كالأنسنة والمجازات والتشبيهات والفصول، كما تُفعّل بقوة تقنية التناص مع الأحلام التاريخية والأدبية في مختلف مجالات الفن والأدب، مثل القصص، الروايات، الشعر، السينما، المسرح، والفنون التشكيلية:

حميد العادلي 

1-أَتْعَبَنِي جِدًّا

أَطْوِي السَّمَاوَاتِ خَلْفَهُ

إِلَى أَيْنَ يَمْضِي الْهُدْهُدُ؟

***

عباس محمد عمارة 

1-أَسْمَعُ

أَصْوَاتًا تَسْأَلُهُ:

الذَّهَبَ… أَمِ الحِكْمَةَ؟

2-المدينةُ الفاضلةُ-

     تَلُوحُ لِي هَيَاكِلُ رَمَادِيَّةٌ

      تَتَسَلَّقُ ٱلْفَرَاغَ

***

نصوص هايكو الأحلام المتعارف عليها كانت تكتفي بوصف أو سرد الحلم كما لو أنه فيلم يُشاهد في سينما تقليدية ثنائية الأبعاد. في المقابل، تذهب تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو أبعد من ذلك، إذ تقدم التجربة من داخل الحلم ذاته كما عاشها واختبرها الشاعر أثناء النوم. فهي أقرب إلى مشاهدة الأفلام الحديثة متعددة الأبعاد (3D، 4D، XD)، التي يشعر فيها المشاهد بأنه جزء من الحدث. بكلمات أخرى، كلما شعر المتلقي بأنه يعيش داخل فضاء الحلم من خلال الهايكو، اقترب النص أكثر من تحقيق أهداف تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو. كما يمكن توسيع تجربة “الرؤية من الداخل” لتشمل مواضيع أخرى خارج نطاق الأحلام في نصوص الهايكو.


الزمن والمكان في تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو – الجزء الرابع

رأيان على “تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو – الجزء الخامس

  1. إلى أستاذي الفاضل لطفي شفيق سعيد،

    تحية تليق بمقامكم العالي،

    سعدتُ جدًا بقراءة نصوصكم الأخيرة، والتي وجدتها تشكّل نماذج جمالية ناضجة في تطبيق تقنية تحويل الأحلام إلى هايكو، وقد تجلّت فيها عناصر هذه التقنية بوضوح من خلال:
    1. الانتقال المفاجئ بين الواقع واللاواقع دون تأويل.
    2. عدم التصريح بأن النص حلم.
    3. تجنّب الرموز والاستعارات.
    4. نقل المشهد الحلمي كما هو، بصيغة مباشرة، تلامس جوهر الحلم دون أن تشرحه أو تؤوله.

    لقد استطاعت نصوصكم أن تلتقط اللحظة الحلمية وتُبقيها معلّقة بين الوعي واللاوعي، بطريقة شفيفة وبلا ادّعاء.
    وهو ما يمنحها بعدًا جماليًا وفنيًا خاصًا، ويجعلها علامات مضيئة في طريق هذا الاتجاه الجديد.

    دمتم دائمًا منارات للإبداع، وسبّاقين إلى آفاق الشعر الحديثة.

    مع خالص التقدير والمحبّة،
    عباس محمد عمارة

    ****

    هو الآخر -هايكو لطفي شفيق سعيد


    ‎مكان ضبابي
    ‎بلا سماء ولا أرض ولا أصوات:
    ‎أنا هو الآخر كنت فيه ميتا!
    -2-
    ‎تحدثت مع صديقي:
    ‎فاتني أن أسأله:
    ‎كيف عاد للحياة؟
    -3-
    ‎ببيتنا القديم…
    ‎يتحدث أبي مع أمي:
    ‎اللذان ماتا منذ سنين!
    -4-
    ‎تطاردني مجموعة من لصوص
    ‎حشرجة صوتي العالية:
    ‎أيقظت زوجتي من النوم!
    -5-
    ‎ليلة باردة…
    ‎كاد النهر أن يجرفني/
    ‎سقط اللحاف عني أرضا
    -6-
    ‎أنا لا أومن بالخرافات
    ‎عيون غول ترصدني:
    ‎أفز – يغشي عيني مصباح الشارع
    -7-
    ‎أرجوحة…
    ‎تطوح بي لأمام وللخلف/
    ‎إغفاء أمام التلفاز!
    -8-
    ‎سفرة ممتعة…
    ‎أستقل سيارتي القديمة/
    ‎التي بعتها قبل سنوات!
    -9-
    ‎ولدي الصفير…
    ‎أخذته معي للسوق القديمة/
    ‎تذكرت أنه الآن طبيب
    -10-
    ‎وصلت متأخرا لقاعة الامتحانات
    ‎كدت أبكي لسوء حظي:
    ‎أنقذني رنين جرس الباب
    -11-
    ‎كنت أنا هو الآخر
    ‎أشارك بمعارك في عصر الفرسان:
    ‎نمت ونسيت إطفاء التلفاز!
    -12-
    ‎بخمسين فلسا…
    ‎اشتريت خمسة أرغفة خبز/
    ‎اختفت عند شروق الشمس!

    إعجاب

  2. الاستاذ الفاضل عباس محمد عمارة المحترم
    مزيدا من الاحترام واعجابا بما كتبت في موضوعة تحويل الاحلام الى هايكو ودفعتني لكتابة هايكو بهذا الصدد فانتظرني في هايكو أنا هو الٱخر الذي ارسلته البارحة لموقع حانة الشعراء وباعتقادي أنه سيجد طريقه للنشر مشكورين وحينها اتمنى أن يحضى باهتمامك وإلى لقاء

    إعجاب

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.