يوميات هناء في نيويورك – وداعاً نيويورك

يوميات هناء في نيويورك – وداعاً نيويورك

اللوحة: الفنان اللبناني مصطفى فروخ

هناء غمراوي

أيام معدودة وأغادر هذه المدينة، عائدة الى المدينة الأم طرابلس، تلك التي قضيت بها معظم شبابي ومن ثم مرحلة متقدمة من عمري.! اقمت خلالها مجموعة من العلاقات والصداقات بعدما انخرطت في النشاط المدني والثقافي فيها لعدة سنوات.

عندما قدمت الى نيويورك بداية العالم 2020 كنت أحسب نفسي قادمة الى عالم مجهول، فاغلب زياراتي السابقة لها كان خاطفة ولم تكن بهدف الاقامة الدائمة…

ربيع العام 2020 قصدت نيويورك في زيارة طويلة ولم أغادرها لمدة تجاوزت السنتين، ومن بعدها صرت اعود للوطن في زيارات متقطعة كانت لا تتجاوز الستة أشهر، ومن ثم أعود بعدها لاستئناف الحياة هنا، في نيويورك تلك الحياة، التي الفتها بسرعة، بخلاف العديد من أترابي ممن غادروا أرض الوطن، ولم تكن لهم استطاعة على تقبل حياة جديدة والانسجام داخلها…

ولعل مرد ذلك يعود لسببين رئيسيين؛

– طبيعتي المرنة القابلة للتأقلم.

– واهتمام ابنتي المضيفة، ندوة الذي جعلني اتعلق بهذه المدينة، وانجذب الى كل ما فيها رغم قسوة المناخ وصرامة الأنظمة واسلوب الحياة المتسارع فيها… فإن لحظات الفرح التي كنا نقضيها معاً في احضان الطبيعة، في أعالي الولاية لعدة أيام من السنة، وبخاصة في فصل الخريف، والتي اصبحت عندي طقساً سنوياً. بالإضافة الى التردد الى الحدائق العامة في فصلي الربيع والصيف، حيث تكون في قمة اخضرارها، وتفتح الأزهار فيها. سيما الاستمتاع بحضور الحفلات الموسيقية في مسارح المدينة، والتي كانت تقام دورياً داخل بعض الحدائق العامة، والتي كان يتم الإعلان عنها عبر الوسائط الإلكترونية. أغلب تلك الحفلات كانت تقام بدعمٍ من بلدية نيويورك ما يسمح بدخولها مجاناً وكنا نقصدها في الغالب. الا اذا كان ثمة رسم محدد لدخولها، كما هو الحال في؛ Botanical garden في بروكلين وكذلك في البرونكس والتي دخلتها لأول مرة مجاناً وكان بإمكاني اصطحاب ابنتيّ نهى وندوة كضيفتين أيضاً لمناسبة حصولي على بطاقة مواطنة نيويوركية لأول مرة بعد حيازتي ال green card العام 2015 وذلك قبل عشر سنوات تماماً من حيازتي جواز السفر الأميركي…

بالإضافة الى رحلات ونزهات كانت ابنتي تسعى لمشاركتها مع مجموعات تقوم بتنظيم رحلات ومخيمات كشفية دورية الى الغابات واعالي الولاية والى نيوجرسي بخاصة ايام الصيف حيث كان يبلغ عدد المشاركين بها العشرات من مختلف الأصول وطبيعي ان يكون بينهم العدد الأكبر من الأشقاء العرب المقيمين قي نيويورك سيما ان منظم هذه الرحلات كان فلسطيني الأصل ورغم قدومه الى نيويورك بعمر الثامنة فهو ما زال يحافظ على هذه الرابطة بين العرب المقيمين في نيويورك ونيوجرسي وبخاصة من كانت تجمعهم هواية ركوب الدراجة الهوائية واكتشاف اماكن جديدة للنزهات والاستجمام…

كل ما ذكرت بالطبع كان كفيلا بمسح آثار الغربة عن اقامتي هنا. وقد كانت ابنتي حريصة على الا يدخل الفراغ الى حياتي ابداً، فرغم انني كنت اشغل معظم وقتي بأعمالي المنزلية المعتادة، وبالقراءة التي ما انقطعت عنها يوماً كنت اتابع الدراسة في برنامجي دروس تقوية باللغة الانكليزية اونلاين…

خمس سنوات قضيتها هنا؛ ثلاثة منها كانت في استوريا، التي احببتها وصرت اعرف اغلب حدائقها وشوارعها، التي كنت اتجول فيها بغاية التسوق او ممارسة المشي كرياضة دائمة اعتمدتها هنا حتى في عز الشتاء، ولم يكن حتى تراكم الثلوج على الطرقات يمنعني عنها…

وكم اذكر ذلك الشارع (21) الذي كنت اسلكه باستمرار للوصول الى East River والذي كانت تحاذيه حديقة صغيرة وارفة الأشجار تنتشر داخلها مقاعد خشبية مقابلة لذلك الجزء من المحيط الأطلسي والذي تم التعارف على تسميته بالنهر الشرقي، والذي كان يعلوه جسر حديدي ضخم يصل استوريا ب برونكس ومانهاتن ويمر من فوقه احد القطارات السريعة، الذي يصل ولاية نيويورك بمعظم باقي الولايات…مرور ذلك القطار السريع فوق الجسر كان يحدث ضجيجاً عالياً يعكر علي أحياناً صفو ساعات الغروب على ذلك الشاطئ الهادئ. 

بداية العام 2024 استقرينا في سكننا الجديد في دوغلستن، التي كانت تبعد نصف ساعة فقط بالسيارة عن استوريا. نحن ما زلنا ضمن مقاطعة كوينز ولكننا اتجهنا شرقاً أكثر، باتجاه مقاطعة؛ لونغ ايلاند، التي تمتد كشبه جزيرة بشكل متطاول داخل المحيط الأطلسي. 

اختلفت عليّ الحياة هنا في دوغلستن، افتقدت أكثر الأماكن التي الفتها؛ حديقة البيت الخلفية التي قمت بزراعتها لموسمين متتاليين.!

وأكثر ما افتقدت المركز الذي كنت اتردد اليه في أستوريا لتعلم اللغة، ومارست فيه لأول مرة في حياتي هواية الرسم التي تعلقت بها كثيراً. وقد بقيت حريصة على التردد اليه مرة اسبوعياً بعد انتقالنا الى سكننا الجديد حتى ربيع ذلك العام؛ 2024 لحين مغادرتي الى لبنان.

هذه المرة ربما سأغادر نيويورك لآخر مرة فلم يعد هناك ما يعيدنا اليها قسراً بعد ان حصلت على جواز السفر الأميركي، الذي كان ثمنه اقامة دائمة لمدة خمس سنوات؛ قطعتها بعض الزيارات التي لم تكن تتجاوز الستة أشهر.

أيام قليلة تفصلني عن موعد المغادرة…

عودتي الى هذه المدينة ستكون مرهونة بمدى حنيني اليها. وهذا الحنين يصعب عليّ تقديره الان.!

ربما ستكون الإقامة في ربوع الوطن الأم، وبين الأصدقاء وبين من تبقى من الغوالي كفيلة بإسكاته إلى حين.

رأي واحد على “يوميات هناء في نيويورك – وداعاً نيويورك

اترك تعليقًا على عبدالسلام هزاع محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.