حلب بعد المصائب والنوب

حلب بعد المصائب والنوب

اللوحة: الفنان السوري مازن الجرد

عبدالناصر عليوي العبيدي

هُنَا الْحَضَارَةُ وَالتَّارِيخُ وَالْعَجَبُ

يَا سَائِلًا مَنْ أَنَا؟ مَهْلًا أَنَا حَلَبُ

أَنَا الَّتِي شَابَ فِي تَكْوِينِهَا بَشَرٌ

وَمِنْ جَبِينِي تُضِيءُ الشَّمْسُ وَالشُّهُبُ

صَاغَ الْإِلَهُ جَمَالِي آيَةً، عَلَمًا

مَدَى الزَّمَانِ تُرَاثًا لَيْسَ يَحْتَجِبُ

فَفِي ثَرَايَ مُلُوكٌ قَدْ ثَوَوْا وَبَنَوْا

صُرُوحَ عِزٍّ، حِمَى الْجَوْزَاءِ تَغْتَصِبُ

خُيُولُ آشُورَ وَالْحِثِّيِّ عَابِرَةٌ

وَكُلُّ مَنْ مَرَّ مِنِّي الْفَخْرَ يَكْتَسِبُ

وَقَلْعَتِي شَاهِدٌ لَمْ يَمْحِهِ زَمَنٌ

صَوْتُ الْأَذَانِ بِهَا مَا مَرَّتِ الْحِقَبُ

أَبْرَاجُهَا فَوْقَ هَامِ الْمَجْدِ رَاسِخَةٌ

لَهَا انْحَنَى الدَّهْرُ حَتَّى كَادَ يَنْحَدِبُ

  هُنَا ابْنُ حَمْدَانَ قَدْ أَغْنَى مَجَالِسَهَا

بِهِ تَبَاهَى الْقَرِيضُ الْفَذُّ وَالنُّخَبُ

  أَنَا الَّتِي أَطْرَبَ الدُّنْيَا مُوَشَّحُهَا

وَبِالْقُدُودِ الَّتِي يُشْفَى بِهَا التَّعَبُ

  صَبَاحُ فَخْرِيْ عَلَى الدُّنْيَا يُرَدِّدُهَا

فَيَنْتَشِي السَّمْعُ وَالْوِجْدَانُ وَالطَّرَبُ

  لِمَطْبَخِي نَكْهَةٌ مُثْلَى إِذَا ذُكِرَتْ

فِيهِ الْأَطَايِبُ وَالتَّنْوِيعُ وَالْكُبَبُ

  أَبْوَابِيَ السَّبْعَةُ الْغَرَّاءُ شَامِخَةٌ

فَكُلُّ بَابٍ لَهُ، تَارِيخُهُ الْخَضِبُ

  لِلنَّصْرِ بَابٌ، يَدُ الْأَحْرَارِ تَفْتَحُهُ

حَتَّى يَعُودَ لَهَا أَبْنَاؤُهَا النُّجُبُ

  بَابُ الْحَدِيدِ وَقِنَّسْرِينَ قَدْ شَهِدَا

كَيْفَ الْفُلُولُ بِجُنْحِ اللَّيْلِ قَدْ هَرَبُوا

  سُوقُ الْمَدِينَةِ إِعْجَازٌ بِهَنْدَسَةٍ

كَيْفَ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الْأَقْوَاسُ وَالْقُبَبُ

 فِيهِ الصَّنَائِعُ وَالْإِبْدَاعُ فِي حِرَفٍ

فِيهِ الْبَضَائِعُ وَالْأَلْمَاسُ وَالذَّهَبُ

  هُنَا الْجَمَالُ لَهُ فِي أَهْلِهَا نَسَبُ

وَفِي الْخُدُورِ بِهَا يُسْتَوْطَنُ الْحَسَبُ

  إِذَا مَشَتْ، خِلْتَ غُصْنَ الْبَانِ مُنْعَطِفًا

وَالشَّمْسُ مِنْ وَجْهِهَا الْوَضَّاءِ تَنْتَقِبُ

  بِكُلِّ خَطْوٍ يَسِيرُ الْحُسْنُ مُحْتَشِمًا

فَلَا جُنُوحٌ.. وَلَا مَيْلٌ.. وَلَا صَخَبُ

  وَرِقَّةٌ فِي حَدِيثٍ إِنْ هَمَسْنَ بِهِ

تَكَادُ مِنْ لُطْفِهِ الْأَحْجَارُ تَنْتَحِبُ

  إِنْ قُلْتَ شَهْبَاءَ.. قَالَ الْحُسْنُ فِي ثِقَةٍ

نِسَاؤُهَا الْحُسْنُ.. وَالْأَخْلَاقُ.. وَالْأَدَبُ

  وَفِي الرِّجَالِ شُمُوخُ الطَّوْدِ إِنْ وَقَفُوا

وَهِمَّةٌ دُونَهَا الْأَفْلَاكُ تَضْطَرِبُ

  هُمْ أَهْلُ جُودٍ.. فَبَابُ الْبَيْتِ مُنْفَتِحٌ

وَلِلضُّيُوفِ مَسَاءً تُفْرَشُ الْهُدُبُ

  بِكَفِّهِمْ كَرَمٌ، كَالْغَيْثِ إِنْ هَطَلَتْ

فَيَنْضَجُ التِّينُ وَالتُّفَّاحُ وَالْعِنَبُ

  وَفِي الشَّهَامَةِ لَا تَسْأَلْ.. فَهُمْ أَبَدًا

أَهْلٌ لَهَا وَبِهَا قَدْ خَصَّهُمْ لَقَبُ

  إِذَا اسْتَغَاثَ بِهِمْ مَنْ مَسَّهُ، ضَرَرٌ

قَامُوا لِنُصْرَتِهِ.. فِي الْحَالِ وَاحْتَسَبُوا

  ثَقَافَةُ الْفِكْرِ فِي أَعْمَاقِهِمْ نُقِشَتْ

لِمَجْلِسٍ مِنْهُمُ لِلْعِلْمِ تَنْجَذِبُ

  أَبْنَاءُ عِزٍّ.. وَأَهْلُ الرَّأْيِ إِنْ عَظُمت

خُطُوبُ دَهْرٍ.. فَهُمْ لِلْحَلِّ قَدْ غَلَبُوا

  إِنِّي الْعَقِيدَةُ.. وَالْإِصْرَارُ فِي بَلَدِي

شَعْبِي عَظِيمٌ.. أَبِيٌّ.. صَابِرٌ.. حَزِبُ

  كَمْ قَاتَلَتْنِي جُيُوشُ الظُّلْمِ قَاطِبَةً

وَكَمْ تَكَسَّرَ فِي أَعْتَابِيَ اللَّهَبُ

  لَقَدْ تَكَالَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَاجْتَمَعُوا

الْفُرْسُ وَالزُّطُّ وَالرُّومَانُ وَالذَّنَبُ

  لَكِنْ سُيُوفُ بَنِي الْأَحْرَارِ تَحْرُسُنِي

فَالشَّمْسُ تَخْشَعُ إِنْ يَوْمًا هُمُ غَضِبُوا

  كَمْ نَكْبَةٍ عَبَرَتْ.. كَمْ مِحْنَةٍ كَسَرَتْ

ظَهْرَ الْجِبَالِ وَلَمْ تُلْوَ لِيَ الرُّكَبُ

  أَظَلُّ شَامِخَةً.. وَالنُّورُ يَعْمُرُنِي

يَأْتِي الصَّبَاحُ.. وَلَيْلُ الْحُزْنِ يَنْسَحِبُ

  أَنَا دِمَشْقُ.. وَبَغْدَادُ الشُّمُوخِ أَنَا

إِنْ فَرَّقُونَا.. فَفِي الْأَرْوَاحِ نَقْتَرِبُ

  سَأَرْجِعُ الْفَجْرَ مَهْمَا طَالَ بِي ظُلَمٌ

وَتُشْرِقُ الشَّمْسُ.. وَالْأَحْزَانُ تُسْتَلَبُ

  فَاكْتُبْ. مِنَ الشِّعْرِ مَا تَرْضَاهُ يَا قَلَمِي

عَنِ الَّتِي حُبُّهَا فِي الْقَلْبِ يَنْتَصِبُ

  فَكُلُّ حَرْفٍ بِغَيْرِ الْحَاءِ مُنْتَقَصٌ

وَكُلُّ شِعْرٍ بِغَيْرِ الْبَاءِ مُجْتَنَبُ

  أَنَا ابْنَةُ الْمَجْدِ، وَالْعَلْيَاءُ مِنْ نَسَبِي

فَمَنْ كَمِثْلِي لِهَذَا الْمَجْدِ يَنْتَسِبُ

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.