شخص يضحك في عرض الشارع

شخص يضحك في عرض الشارع

اللوحة: الفنان الألماني بول كلي

أمجد ريان

واقفاً أعد القهوة، عقلي يقلب الأفكار، ويدى تمتد لتناول الأشياء، ولساني يترقب هذه النكهة الكثيفة، أوراق النتيجة بجوار الثلاجة لم أنزع أوراقها منذ أيام، وأنا أتحرك بخطوات بطيئة، أضع قرصاً من الأسبرين في فاظة الأزهار الميتـة، وأنظر في المرآة: ذقني تحتاج للحلاقة، ذقني البيضاء المشعثة، سألتقي بالزملاء بعد نصف ساعـة، سيُسمعونني آخر نكته، وسيستغرق الجميع في الضحك، لأن شعبنا هو الشعب الضاحك في كل الظروف، حتى لو جوبهنا بالعولمة، وما أدراك ما العولمة، سيقف فى مواجهتها السيد عمرو موسى، بمشاركة معاونيه جميعاً، وسيفضحون هذه الإجراءات الهيكلية التي تعنى التنافس على الصعيد العالمي، فتكسب الدول الكاسبة أكثر فأكثر، وتخسر الدول الخاسرة أكثر فأكثر.

***

اقرأوا الكلاسيكيات، من فضلكم، وتأملوا الحبكة والوصف، لتعرفوا رغبة الإنسان منذ البداية في الدقة والتقصي، ورغبته في التحليل، ادخلوا إلى شبكة النت، وافتحوا البريد الإلكتروني للأطفال، لتتعرفوا إلى هذا الجوع للوصول للآخرين، ورغم المناطق المشفرة، هناك محاولات مستميتة للاختراق والمطاردة، وها أنذا أجلس أمـام الكومبيوتر، وأنظر في الشاشة العميقة، ينتقل عقلي من مكان إلى مكان من خلال وثبات الوعى الهائلة، تدور في رأسي التفاصيل، والدقائق الصغيرة التي تدفعني للاستجابة الى الضحك، كل شيء يمكن أن ينقلب رأساً على عقب، يجب أن نكون مستعدين للتغيرات الحادة، يجب أن نقوى عزائمنا، وأن نقف بأجسامنا في مواجهة الموت: نقف بأجسام مثلِ الصخور، هي أجسامنا، بكل ما يغطيها من إفرازات العرق والدهون والدموع والمخاط والعصارات الحمضية والإنزيمات والأمونيا.

***

وحده “فرويد” الذي يعرف: لماذا لم يحلق صدام حسين ذقنه بعد القبض عليه، وهو وحده الذي يعرف لماذا في التاسعة عشرة من عمري قررت إطلاق ذقني، ولا أدرى لماذا وكيف اتخذت هذا القرار. ربما تولدت لدى فكرة ما عن الرجولة، وها أنا ذا أتذكر المسألة بعد أن مرت كل هذه السنين، وأصبح لمفهوم الرجولة لدي معان أخرى شديدة الاختلاف، أسمع صوت النهيق العارم آتياً من الشارع، وعلى شاشة التلفاز هذا الفيلم الذى لعب فيه مقص الرقيب لعباً عظيماً، ولكن ذهني يمكن أن يتخيل اللقطات التي قصّوها، أمد أصابعي للأمام، أصابعي امتداد ٌ ظاهر لعالم خفى لا يعلمه أحد، عالمٌ لا مكانيّ و لا زماني، كما أن أصابعي أشبه بمطفأة سجائر تقليدية هي عبارة عن قوقعة بحرية ميتة، يضعها المصريون في حجرات الصالون، وها أنا أحلق ذقني بتأن، وأطمئن على سلامة هيئتي، رغم الندوب الصغيرة التي تركتها ماكينة الحلاقة فوق بشرتي، لكن وجهى مستدير بض، على الرغم من كرمشة الشيخوخة في خطوطها الكثيرة المتوازية، انظروا إلى فتحة فمي العرضية، إنها تعطى شكل ابتسامة واسعة، وكرافتة البهلوانات على رقبتي عريضة، عريضة جداً، وعليها دوائر ملونة من جميع الألوان، هى السعادة إذن، على الرغم من الآلام الشديدة في أمعائي، وإصابتي بهذه الغازات التي لا يمكن التحكم فيها.

رأي واحد على “شخص يضحك في عرض الشارع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.