اللوحة: الفنان الفرنسي جان لويس فورين
محمد محمود غدية

التقيا تحت زخات المطر، ومظلات الباص، نظرة فابتسام فموعد فلقاء، جمعهما الحب وزينت أصابعهما بخاتم الزواج، ثلث قرن على زواجهما، الذي أثمر عن ابنة وولدان، بررة طيبين، وحياة هادئة ناعمة، الزوجة أشبه بالنحلة الدؤوب لا تدخر وسعا في إسعاد زوجها والأبناء، والعمل على راحتهم طول الوقت، الجميع شغلوا مواقع متميزة بعد تخرجهم وزواجهم، فرحين بهم وبالأحفاد، حتى كان يوما: فجر فيه الزوج قنبلة، أطاحت بالزوجة وعصفت بها في بئر سحيقة، حين قرر الزواج من زميلته المطلقة لعدم الإنجاب، الذي ليس في حاجة إليه، بين دهشة الزوجة والأبناء.
تساءلت الزوجة: هل كانت عواطفه مجرد قشور وطلاء كاذب؟
تهيأت الزنابير للدغها حتى العظم، لماذا وهى من سهرت الليالي، غير مقصرة فى راحته وخدمته؟
تشكو السماء: كيف لها أن ترعى أناس يملأ قلوبهم البغض، وتعبث بنفوسهم النزوات، سؤال تملؤه الدهشة والسذاجة؟
– صرخت الزوجة: طلقني
وفعلها.. بين دهشة الزوجة والأبناء الذين انتقلوا للعيش مع جدهم، الذي يعيش الوحدة بعد وفاة زوجته.. تطل من عين الزوجة المطلقة نظرة حزينة، كتلك التي تتوهج من دمعة متحجرة، لتمثال عتيق فى ميدان لمدينة ضبابية.. يوشك أن يدمرها بركان.. العروس التي تزوج بها في عمر ابنته!
إنه مثل الكثيرين أحب الأشياء البعيدة، ليعيش نشوة الركض، حتى يتملكها، إنها الأقدار التي تتبعنا، مثل نسر مفترس يحط فيختطف مصائرنا وقتما يريد.
العروس المطلقة لعدم الإنجاب، أنجبت توأم بين دهشة الزوج، الذي ابتلعها دون تعليق، ليكتشف أن الطلاق كان بسبب آخر غير أنها عقيم لا تنجب.
وجد الزوج أنه أمام مسؤوليات جديدة، من شراء حفاضات وألبان وملابس للأطفال.. بعد إصرارها على ضرورة وجود شغالة، ورفضها التفرغ للأطفال وترك العمل.
لا شيء سوى الاعتناء بمظهرها ورياضات ما بعد الحمل، فى النوادي وعيادات المساج، لاستعادة رشاقتها، وكلما حاول أن يثنيها عما تفعل، ذكرته وعايرته بالفارق العمري بينهما، وأنها لا ترغب فى وأد شبابها فى اهتمامات وطلبات الزوج والأطفال التي لا تنتهي.
يتجرع كل يوم المرارات، مرتديا كل صباح أثواب الوجع والأسى، رفضت زيارة الأبناء لوالدهم، بحجة أنهم ينظرون اليها نظرة زوجة الأب التي خطفت والدهم، تستشعر كراهيتهم لها، تركت تربية أطفالها وخدمة الزوج للمربية، إنها الجوعى للحرية وكسر القيود والأصفاد، وتخطى حدود الممنوح والمسموح، وهى التي كانت تقضي عقوبة الزواج فى سجن الزوجية الأسبق، الذى أخفته عن الجميع خاصة زوجها الكهل الذى عليه أن يشكرها ليل نهار لموافقتها على الزواج منه، وعدم امتثالها للفارق العمري بينهما.
أبعدت أبناء الزوج عن زيارته، حتى لا يشاهدوا سهراتها الماجنة، مع الأصدقاء والصديقات، التي لن تروق لهم، طلب من زوجته المقهورة العودة، لأنه يعيش بعدها ليل معتم، ليس فيه صباح جميل كوجهها، رفضت الزوجة العودة، تدهورت صحة الزوج وأصبح أسير الفراش والمرض، حتى كان يوما وجد الأبناء والدهم، يتكئ على جدار منزل جدهم، تاركا تأوهاته المتقطعة تتلاحق فى وهن.
– صارخا: طلقتها
قائلا لزوجته: سامحيني يا شريكة عمري يا صافية المشاعر، وكل حياتي الطيبة النبيلة، بعدك.. فكرت فى هجرة بعيدة وغياب للأبد!
أكرر سامحيني، أنا من أغرقك فى بحر الأحزان، وأصابك منه البلل، الذي أعتذر عنه، سأجففه تحت شمس محبتك وتسامحك.