اللوحة: الفنان الفرنسي إدوارد فويلارد
محمد محمود غدية

عشقتها دون ان تعرفها، واحبتها بلا كلمات، وكيف تتكلم وهي البكماء!
أحبت كفيفة، جمعتهما دار الأيتام وموسيقا السحر التى تنفذ للقلوب وترققها، تتغير قواعد الحب بين البشر ومفاهيم العادات والتقاليد، يجمع المختلفين لا المتشابهين.
يعيشان الفقد والدفء الأسرى، لا يرضعان حنان الأم واهتمام الأب، فى مرحلة النضوج، لا شيء سوى صوت الموسيقى المنبعث من بيانو قديم، وقوس يلامس أوتار الكمان، غادة عازفة الكمان، صاحبة العينين النجلاوين الغير مبصرتين، آية فى الحسن والجمال المنقوص، وصباح البكماء المصاحبة لها بالعزف على البيانو، صاحبة الطلة الحلوة فى وسط وجناتها غمازات، توقعها فى فخ الابتسامة النضرة دون تكلف، تعلمت الكلام بالإشارة، والكتابة بطريقة برايل.
الطرق امامهم غير ممهدة للسير بقطار الأحلام، من حقهم ان يحلمن مثل كل البنات، رغم الطرق الغير ممهدة للسير بقطار الأحلام، تنتظرهم صخور ومطبات وحفر وقطع من زجاج مكسور، يعيشون سعادة رمادية مثقلة، مشبعة بالحزن الباذخ الذي يرتدى الفرح خلسة.
فى الحياة نولد مرة واحدة، ونموت آلاف المرات، رغم هدوء وصمت وسكون الأشياء من حولهم، الا ان هناك ضجيج بداخل كل منهن، يأبى الخروج. لا يملكان العيش الرغد والأمنيات، يتساءلن اهذه هى الحياة التى كن يركلن بطن امهاتهن لأجلها؟
رائعة ونقية دأبت على تتويجها أميرة فى بعض الحكايات، فوق صفحات بيض بحبر قاتم يائس، حتى حلم الكتابة بحبر قاتم صعب المنال، امام ضغط حروف برايل البارزة، انها لا تعزف على الكمان، وانما على أوتار الروح.
لم يسرقن من الزهر جمال شكله فحسب، وانما حملن عطره، عزفهما يلامس القلوب والسحاب، فى سن النضوج يبحرن فى الخيال، يرقصن فى زوارق الموج الصاخب، ويحاربن جيوش الاشتياق، متى يفككن احجية الشمع الاحمر، من بوابات كوكبهن المهجور؟
فعالمهن الخفي لم يطأه رجل من قبل!.. قلعتهم رهينة الغد المنتظر.
شعرن بالابتهاج والفرح، حين تلقت الدار دعوة للاشتراك فى حفل كبير بمسرح الموسيقى العربية، يحضره الصفوة والادباء، نجح الحفل وسط اعجاب وتصفيق الحضور، اثناء عودتهم وامام باب الدار، ووسط احتفال البنات ورقصهن بالفوز الساحق، تسقط غادة على الارض وفى مأساة مروعة تسلم الروح، وهى في احضان صديقتها صباح التى لم تتوقف عن البكاء، وفى مفاجأة مدوية تصرخ وتنادى وهى البكماء: غادة.