اللوحة: الفنان الفرنسي جان بول لورنس
عندما وقفت أمام لجنة الاختبار، سُئلت: تكلّم عن نفسك، وباختصار، عليك أن تأتي بجديد، لقد سئمنا الإجابات التي تشبه القوالب الجامدة، نحذّرك أن تجيب مثل من سبقك وإن كنت ستفعل فأنت لا محالة خاسر، فإمّا أن تنصرف الآن في هدوء أو تُبهرنا بردّ يجعلنا نعيد النظر في توظيفك..
على رغم تقلّبي بين أيدي لجان مقابلات واختبارات لا حصر لها من قبل لكن لا أخفي أنني اضطربت هذه المرة. ثم تمالكت نفسي وعدّلت من هندامي، أحكمت وضع ربطة عنقي البنفسجية اللون، تنحنحت ثم قلت وأنا أضع بطاقة رقمي القومي على طاولة بيضاوية تفصل بيني وبينهم: اسمي “سعيد”..
– بياناتي مدوّنة أمامكم، وُلدت في التاسع والعشرين من فبراير، لذلك أحتفل بعيد ميلادي كل أربع سنوات. لا أذكر أنّي نمت ليلة كاملة هانئًا.
– لقد ترددت كثيرًا قبل مجيئي هنا، زاد توتري أكثر عندما ولجت إلى عالمكم، أخافتني تلك البناية فائقة الفخامة شاهقة الارتفاع، تهيّبت هذه الغرفة المستديرة عندما دخلتها برجلي، ارتعد جسدي من برودة الهواء والذي لا أعلم من أين يتسلل إلى عظامي، لكم سمعت عن ذلك السجاد الأحمر القاني التي تنغرس فيه القدم!، لا أتحرّج إن قلت كأنكم تُصّرون على تأصيل إحساسنا بالضآلة جواركم.
– لم آت إلى هنا إلاّ بحثًا عن ثقب إبرة أدلف خلاله إلى كون آخر، لطالما ساورتني مخاوف وريبة حيال العوالم الأخرى، لكن ما دفعني للقدوم إليكم محض شغف إنساني ورثته عن “آدم”.
لقد تحدثتُ إلى اللجنة بإسهاب مرة وباقتضاب مرات، كذلك تخليّتُ، بعد تدريب مسبق وشاق، عن عادة التلويح بيدي أثناء الكلام..
كان أعضاء اللجنة يغطون في نوم عميق، بينما كبيرهم يرمقني بتحفّز من مقعده، يتفحّص ملفًا ضئيلًا لا يحوي غير بضعة أوراق. رفع رأسه إليّ، مط شفتيه، ثم تمتم بصوت خافت بعدما ألقى إليّ برقمي القومي: انصرف.. للآخرة حسابات لا يطيقها الموتى أمثالك.

حينما يكمش الأديب من الهيال بضع ضوء
إعجابإعجاب