ثمن الصدق

ثمن الصدق

اللوحة: الفنان الأميركي جان باسكيات

عبد الجليل لعميري

في صباح رمادي، استيقظ سامي وقد تلبّسه شعور غريب. لم يكن ألمًا جسديًا، بل اضطرابًا داخليًا، كأن كشفًا انبثق في أعماقه، يفضح ما كان يواريه لسنوات.  

عندما سألته زوجته، وهي ترتشف قهوتها بنصف انتباه:  

  • هل أعجبك طعام عشاء البارحة؟

أجاب دون تفكير، كأن الكلمات تسللت من فمه دون إذن:  

  • كان بلا طعم… كأنك طبخته برجليك.

رمقته بنظرة تمزج بين الذهول والخذلان، ثم صمتت. وكان صمتها أثقل من أي صراخ، كأنها انسحبت من المشهد دون أن تغادر.

عرف سامي بلباقته. كان يزين كلماته، يراوغ، يختلق المبررات. لكنه الآن، كلما حاول الكذب، اختنق. الكلمات تتمرد، وكأن لسانه قد أضرب عن المجاملة، وأقسم أن يقول الحقيقة مهما كان الثمن.

في العمل، سأله مديره، وهو يبتسم ابتسامة صفراء لا تخفي نبرته المتعالية:  

  • هل تعتقد أنني أُدير العمل بكفاءة؟ 

فرد سامي، وكأن الحقيقة تحترق في حلقه وتدفعه دفعًا:  

  • أنت تزرع الخوف، لا الاحترام. الجميع يعملون لأنهم يخشونك، لا لأنهم يؤمنون بك.

غضب المدير، وبيت له الشر، وكأن الصدق جريمة لا تُغتفر في مؤسسة تُدار بالأقنعة.

في طريقه إلى البيت، جلس في حديقة عامة، يراقب الأطفال وهم يركضون بلا خوف. استرجع بعضًا من طفولته، حين كان يقول ما يشعر به دون حساب. شعر بخفة غريبة، كأن عبئًا قد نزل عن صدره. لأول مرة، لا يخاف من قول الحقيقة. لكنه أيضًا، لأول مرة، يشعر بأنه مكشوف، عارٍ من كل حماية.

في طريقه، بعد مغادرته الحديقة، التقى بكاتب فرع حزب محلي، كان يعرفه منذ سنوات. 

قال له الأخير، وهو يربّت على كتفه:  

  • ألم يحن وقت انخراطك معنا؟ الوطن يحتاج أمثالك.

نظر إليه سامي بهدوء، ثم أجاب بصوت خالٍ من المجاملة:  

  • سأنخرط عندما تكفّون عن كونكم دكانًا انتخابيًا، وتصبحون حزبًا حقيقيًا يدافع عن حقوق الناس، لا مصالحكم.

بهت المسؤول الحزبي، وتراجع خطوة إلى الوراء، ثم انسحب صامتًا، كأن الكلمات صفعت قناعًا اعتاد أن يرتديه.

في المساء، زار والدته. سألته وهي تضحك، محاولة إخفاء ارتجاف صوتها:  

  • هل ما زلت تكره الحساء الذي أعدّه؟

أجاب مبتسمًا، بنبرة فيها حنين وصدق لا يُقاوم:  

  • نعم، لكنه يذكرني بك… فأحبه رغم كل شيء.

ضحكت، ثم بكت، ثم احتضنته كما لو كانت تحميه من العالم الذي لا يرحم الصادقين.

في اليوم التالي، كتب سامي على ورقة صغيرة، بخطٍ مرتجف:  

“أن تكون صادقًا، يعني أن تخسر الكثير… لكنك تكسب نفسك.”  

ثم خرج ليواجه العالم، بلا أقنعة، بلا خوف، وبقلبٍ لا يعرف إلا الحقيقة، مهما كانت جارحة، ومهما كانت مكلفة.

القصة مشتركة: عبد الجليل لعميري+AI(الذكاء الاصطناعي)

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.