فواز خيّو
اللوحة: الفنان العراقي سنان حسين
يولد الجحش، ترضعه أمه أشهرا، ثم يخسر عليه أصحابه قليلا من التبن، وخلال عام بالضبط يبلغ سن الرشد، وتستطيع أن تركبه بكل يسر ويخدمك بكل محبة وطاعة.. ولا مشاكل.
يولد الطفل وترضعه أمه سنتين، وغسيل وحفاضات وسهر الليالي وخاصة حين يمرض، ويُدخله أهله المدرسة وتُصرف عليه الأموال وتُعلّق عليه الآمال سنين ويتخرج ويتزوج، ثم تركبه زوجته أو بعض رجال الدين، أو الحزب الذي ينتمي إليه أو الدولة.. يولد الطفل ناصعا طيبا رائعا، ثم يتعلم كل مساوئ أهله وطباعهم ويخرّب ويصبح مثلهم.. خرّبتم أنفسكم فلا ترتكبوا جريمة وتخرّبوا أبناءكم.
لا علاج سوى الحب ، كونوا محبين ، علّموهم الحب والطيب واطلقوا امكانياتهم ليبدعوا ويكونوا ذوي شخصية ناضجة متكاملة و قوية، وعندما يكبرون سيكونون لكم ولهم، ولا أحد يستطيع أن يركبهم حتى قناعاتهم التي يجنونها.
كل شيء ينعكس على الأطفال، وحدهم يدفعون فواتيرنا مع الغرامات الباهظة وخاصة بعد الانفصال.. مخيفة نسبة الانفصال والطلاق في كل هذا الشرق.. هل تعلمون لماذا نسبة الطلاق هائلة في عالمنا العربي؟ لأننا غالبا لسنا نحن، الأقنعة.
في فترة التعارف والخطوبة، كل طرف يُظهر نفسه للطرف الآخر على أنه ملاك، وعند الزواج يتعرّى كل منهما أمام الآخر، وتسقط الأقنعة، ويظهر كل طرف على حقيقته، هو يظهر بطقم أسنانه وألف عاهة سواء في الجسد أو الطبع، وهي تظهر أنها سمراء داكنة وليست بيضاء أو شقراء كما كان يُظهرها الماكياج، وغير ذلك من طباع أو عادات سيئة.
كل طرف يشعر أنه خُدع وأكل مقلبا بالآخر، وتبدأ مسيرة المكابرة والتحمّل، ثم يأتيهما طفل وتصبح الشراكة ضرورية ومرهقة، والخوف من تبعات الطلاق بالنسبة للمرأة، وأن تتعرض للإذلال على يد زوجات أشقائها، ويعيشان كقطعتين متلازمتين بفعل لاصق، وهذا اللاصق له مدة صلاحية حتى لو كان إيطاليّا، وفي لحظة احتقان يحصل الانفصال، وكل طرف يحاول استغلال الأطفال وحرمان الطرف الآخر منهم، فيحرم الأطفال من عاطفة أحد الأبوين، وينشؤون أجلافا بلا عاطفة، وقد يتحوّلون إلى متشردين وربما مجرمين.. هكذا تخرّب مجتمعنا بفعل الأقنعة، والتي سببها المباشر عدم الثقة بالنفس والعُقد.
لو كل شخص يقدّم نفسه للآخر كما هو، عندئذ إما يرفضه فيوفر مأساة أو ينسجم معه فيقبله، وعندها لن تحصل خيبة ولن تكون هناك مشاكل، وسينتج عن ذلك حياة وأسرة آمنان ومنسجمتان.. ليتني أعرف أين تقع مصانع الأقنعة حتى أدمرها وأتلفها جميعا، في الغرب الذي نتهمه بالتفكك الأسري، لا أقنعة لديهم.
قد ترى في الشارع شخصا محنيّ الظهر، يرتدي قميصا رقيقا وشورتا فتحسبه عتّالا، وبعد لحظة تكتشف أنه بروفسور في مركز أبحاث أو أستاذ في الجامعة، وعندنا ثمة من لا يُجيد كتابة اسمه، وتراه يرتدي طقما وكرافيت، ومظاهر أبّهة فارغة، من أجل الوجاهات الرخيصة وإثبات الذات.
في الغرب قد تقيم الفتاة عدة علاقات، لكن حين تتزوج تلتزم، بينما عندنا وفي أحيان كثيرة قد تظل الفتاة ملتزمة ليس بفعل قناعاتها، وإنما خوفا على عذريتها، لأن الشرف في هذا الشرق ليس في الرأس وإنما في مكان آخر، وحين تتزوج تبدأ تعدد العلاقات وما يتبعها من مشاكل، عكس ما يحصل في الغرب.. طبعا أحكي عن ظواهر ولا أقصد التعميم.. الحرمان وفصل الذكور عن الإناث وخاصة في المدارس، يخلق ألف عُقدة عند الجنسين، ورُهابا من الآخر، بدلا من أن تكون الأمور عادية لتخلق واقعا صحيّا، وشخصية حقيقية بعيدة عن الأمراض.
من رواية «تقرير إلى غودو» (تحت الطبع) للكاتب السوري فواز خيّو