من قيم الحيوانات..

من قيم الحيوانات..

فواز خيّو 

اللوحة: الفنان الأميركي تشارلز ماريون راسل

كنت أحب الفروسية، ركوب الخيل وكنت مغامرا، وكم قالوا لولدتي: ضُبّي عفريتك حتى لا يعمل لكم مصيبة. 

كان عند دار جدي مهرة أصيلة، وذات مرة وفي منطقة وعرة تعثرت فوقعتُ عن ظهرها، وحين استطاعت الوقوف عادت لتشمّني بكل محبة وتتأكد أني لم أصب بأذى.

يا ألله ما أروع الوفاء والحرص عند الحيوانات، خاصة حين تمنحهم بعض الحب والاهتمام. 

وحين لا أجد فرسا أو حصانا كنت أستعيض بالحمير. 

غالبا حين تغيب الأحصنة تلعب الحمير دورا مفصليا في حياتنا، في كل مناحي حياتنا. نعم والحمرنة مرض مُعد، هكذا اكتشفت أو أن السلطات بكل أنواعها تعمل على استنبات الحمير لأنها غالبا العنصر المُنفّذ في كل أنواع المشاريع. 

كان عندنا في الدار قطٌ أليف طيب، وكان أخي بشير يهتمّ به بشكل خاص فأصبح توأمه، يدخل في الليل ويرفع البطانية عن رؤوس النائمين واحدا واحدا ليجد بشير فيندسّ معه وينام. كان بالفعل أحد أفراد البيت. كان يقف على رجليه ويمسك مقبض باب المطبخ بيده وينزله فيفتح الباب ويدخل. وحين هرم كثيرا وأصبح يوسّخ فكروا في التخلص منه، فوضعوه في كيس وذهبوا في السيارة وأطلقوه في شهبا على بعد 20 كيلو مترا وعادوا، وفوجئنا به بعد 15 عشر يوما يدخل إلى الدار. 

كيف قطع كل تلك المسافة ومرّ في تلك القرى، وتجاهلها حتى وصل قريتنا وجاء إلى الدار؟ 

لماذا لم يتجه إلى السويداء جنوبا أو غربا مثلا؟ 

ثمة أسرار، وربما الحبل الطاقي الذي يربطه بالدار قاده إليها. 

لماذا حين يشمّمون قطعة من ثياب المجرم أو اللص للكلب فإنه يتجه إلى صاحب القطعة؟ 

ثمة حبل طاقي يربط بين كل مخلوق والأدوات التي يستعملها. 

كيف تقطع أسراب الطيور مئات الأميال وتعود بعد مدة إلى نفس المكان؟

ما أوردته عن القط وحنينه وارتباطه بمسقط رأسه، أي وطنه وإخلاصه له ولأفراده، وما ذكرته عن المهرة الأصيلة جعلني أنظر بحزن لمن يُسمى الإنسان.

هذه الحيوانات لم تقرأ روايات ولا دواوين شعرية ولم تحضر أفلام سينما، ولم تتلقّ أنبياء ورسلا ولا رسالات سماوية، وتحمل من القيم أضعاف ما يحمله الكثير من البشر. 

كل نوع من الحيوانات قد يفترس من النوع الآخر، ولا يفترس من بني جنسه، وحده الانسان افترس وما زال يفترس بني جنسه ويظلمه، ويسجنه ويقهره ويدمر أحلامه بكل دموية، ويجعل الحياة عبئا عليه. 

ما أشرس الإنسان.

***

البعض يقدّر عمر الكون بأكثر من مليار سنة، ومن ضمنه طبعا كوكب الأرض. 

ظلت الأرض عامرة ببحارها وغاباتها وحيواناتها وطبيعتها طوال مليار سنة، ومنذ عشرات آلاف السنين فقط جاء المخلوق الذي اسمه الانسان، ومنحه الله العقل وسخر له الطبيعة والأنبياء والمصلحين والأدباء والمخترعين وصنع وطوّر سبل الحياة، وكل ما يجعله ويجعل الحياة جميلة سعيدة آمنة، لكنه نشر الدمار عبر الحروب وبشاعاتها من موت وخراب وقهر للآخر، ولم يسلم منه حتى المناخ والغلاف الجوي بسبب التلوث، حتى أصبح مصير العالم وكوكب الأرض في خطر، فأي معتوه ممن يمتلكون السلاح الذري وفي لحظة طيش وجنون، قد يشعل حربا نووية تفلق الأرض ويصبح مصير الانسانية في خبر كان. 

ما أخطر وأوحش الانسان.


بداية مرحلة «الإعدادية» وحرب تشرين

من رواية «تقرير إلى غودو» (تحت الطبع) للكاتب السوري فواز خيّو

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s