من هم المستعرَبون والمدجّنون في الأندلس؟ 

من هم المستعرَبون والمدجّنون في الأندلس؟ 

د. جمال عبد الرحمن

اللوحة: «ذكريات غرناطة» للفنان الإسباني أنطونيو مونوز ديجرين

يقدم الفيلسوف اليوناني نصيحة ثمينة للمتحاورين: عليكم، قبل الحوار، أن تحددوا معنى كل مصطلح، تجنبا للخلط. أستعير النصيحة، وأتمنى أن يتقبلها من يريد البحث في مجال الأندلسيات أو الموريسكيات. لفظ «الأندلس» لا يصح إطلاقه على إسبانيا قبل الفتح الإسلامي، ولا بعد عام 1492. اللفظ لا يحدد مكانا جغرافيا فقط، بل يتضمن بعدا زمانيا كذلك. أنت لا تستطيع أن تتحدث عن «المدينة المنورة» قبل الهجرة النبوية، ولا عن «يثرب» بعد الهجرة. يخلط البعض بين «الأندلس» وإقليم أندلوثيا، وهو خلط لا يجوز، فلم يعد هناك أندلس بعد أن سقطت غرناطة. لكن الوجود الإسلامي لم ينته بسقوط غرناطة، بل استمر حتى عام 1614 على الأقل، والأبحاث التي تتعلق بالفترة من 1492 -1614 نادرة في الوطن العربي. تزداد المشكلة عمقا عندما ينشر الباحثون العرب القلائل في هذا الموضوع أبحاثهم بلغة غير العربية. علينا أن نحدد معنى كلمات: «مستعرب»، «مدجن»، «موريسكى»، «مسيحى قديم»، «مسيحى جديد». التعريف الدقيق لهذه المصطلحات سيجنبنا كثيرا من أنواع الخلط التي نراها في الأبحاث التي تنشر باللغة العربية.

«المستعرب»، بفتح الرّاء، هو المسيحي الذي يقيم في مملكة إسلامية في الأندلس، و«المدجّن» هو المسلم الذي يقيم في مملكة مسيحية، وقد أدّى المستعربون والمدجنون دورا عظيما في تشييد حضارة الأندلس، فمن خلالهم كان يتم التبادل الثقافي بين عنصري شبه جزيرة إيبريا. ولعل السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: ما الذي يحمل مسلما على أن يقيم في بلد يحكمه مسيحيون؟ عندما كان المسيحيون يغزون مملكة مسلمة، كان أمام المسلم المهزوم خياران: الخيار الأول هو النزوح إلى مملكة إسلامية أخرى، خالي الوفاض، لأن ثروته عبارة عن أرض زراعية لن يحملها فوق رأسه بطبيعة الحال. الخيار الثاني كان البقاء والعيش تحت الحكم الجديد. 

في الوقت نفسه كان الملوك المسيحيون الذين يغزون مملكة مسلمة يفكرون في طريقة تجعل المسلم يظل مقيما في المملكة بعد أن تنتقل السلطة إليهم. كان المسيحيون يعلمون أن المسلم قد يتخلى عن ماله، لكنه لا يتخلى عن دينه. لذلك وضعوا مجموعة قوانين يستطيع المسلم بمقتضاها أن يمارس شعائر الإسلام إن هو أقام في المملكة التي يحكمونها. تبيح القوانين للمسلم كذلك أن يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية في أمور الزواج والطلاق والميراث. كل هذه القوانين تنظمها لائحة تسمى «لائحة المدجنين». السؤال الثاني الذي يبدو منطقيا هو: ما الذي يدفع المسيحيين المنتصرين إلى تطبيق «لائحة المدجنين» على المسلم المهزوم؟ الإجابة تتلخص في أن المسيحيين كانوا يريدون التفرغ للحرب، فإذا ظل المسلم مقيما في المملكة فإنه سيزرع الأرض، وبالتالي فلن يحتاج المسيحيون إلى تخصيص عدد من الجنود لفلاحة الأرض. لائحة المدجنين إذن هي اتفاق تبادل منفعة بين طرفين: المسلم المهزوم يحتفظ بأرضه ويمارس شعائر الإسلام في مقابل دفع ضريبة للملك المسيحي، والمسيحيون المنتصرون يضمنون بمقتضى اللائحة الحصول على إمدادات القمح والغذاء، وبهذا يستطيعون التفرغ للقتال لغزو ممالك إسلامية أخرى. لاحظ أن اللائحة تفيد الطرفين، لكنها تأتى على حساب الممالك الإسلامية الأخرى. لذلك فإن الونشريسي (أبو العباس الونشريسي) كان يرى أن المسلم المهزوم يجب أن يغادر المملكة على الفور وذلك في كتابه «أسنى المتاجر في بيان احكام من غلب النصارى على وطنه ولم يهاجر». هذه المقدمة أراها ضرورية للبدء في دراسة القضية الموريسكية. وهو ما سنتناوله في المقالات القادمة.


هل الرواية العربية عن فتح الأندلس صحيحة؟

هل كانت الأندلس الفردوس المفقود؟

هل حدث الفتح الإسلامي للأندلس؟

أكذوبة تخلي آخر ملوك الأندلس عن حقوق المسلمين

رأي واحد على “من هم المستعرَبون والمدجّنون في الأندلس؟ 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s