أطفال يرمون أسنانهم إلى الشمس

أطفال يرمون أسنانهم إلى الشمس

اللوحة: الفنان الألماني بول كلي

ماهر باكير دلاش

عندما كنا صغارًا، لم يكن سقوط السنّ مجرد حادثة بيولوجية، بل كان حدثًا طقوسيًا له امتداد في الغيب. كنا ننتظر اللحظة التي يهتز فيها السنّ في فمنا، نلمسه بطرف لساننا كمن يودّع جزءًا منه، ثم نخلعه بحذر، مترددين بين الألم والخفة الجديدة التي يتركها وراءه.

لكن لا يكفي أن يسقط السنّ. كان علينا أن نؤدي طقسنا المقدس: نرميه إلى الشمس ونهمس برجاء واضح: “أعطنا سنّ غزال!”

لم نكن نطلب مجرد بديل عن السنّ المفقود، بل كنا نريد شيئًا من عالم آخر، شيئًا أقوى وأجمل، شيئًا يشبه الغزال في خفته وسرعته وقدرته على الهرب من كل ما هو ثقيل. كنا نظن أن الشمس، بوصفها شاهدة على لعبنا وأحلامنا، ستفهم رغبتنا دون حاجة إلى تفسير، وسترسل إلينا سنًا ليس كأي سنّ، بل سنًّا يحمل سرّ الغزلان، يجعلنا أسرع، أخفّ، وربما أكثر قدرة على الهرب مما لا نحب.

لكننا كبرنا، ولم نجد في أفواهنا سوى الأسنان التي نبتت كما ينبغي، عادية، صلبة، بلا أثر للغزلان. لم نعد نرمي أسناننا إلى السماء، ولا نرجو من الشمس شيئًا. بتنا نكتفي بالمنطق، ونضحك على الأطفال الذين ما زالوا يرمون أسنانهم بأمل لا تفسير له.

ومع ذلك، كلما تكاثرت علينا الأيام الثقيلة، وسقطت منا أشياء أكثر من الأسنان، نشعر أننا أخطأنا حين توقفنا عن طلب سنّ الغزال.

رأي واحد على “أطفال يرمون أسنانهم إلى الشمس

اترك تعليقًا على Rou Chou إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.