المورسكيون والأدب

المورسكيون والأدب

د. جمال عبد الرحمن

اللوحة: الفنان الإنجليزي جون فردريك لويس

هل كتب المورسكيون أعمالا أدبية؟ قد يتصور البعض أن هذا السؤال يدخل في باب الترف العلمي، لكن من يطالع المخطوطات المحفوظة في المكتبة الوطنية بمدريد، يجد أن المورسكيين قد كتبوا أدبا وإن لم يكن كثيرا. والأدب الذي كتبوه لم يكن إبداعيا في معظمه، بل كانت كتابات دينية. كتب الموريسكيون أحيانا باللغة العربية، وأحيانا أخرى باللغة الإسبانية، الغريب هو أنهم ابتكروا شيئا جديدا: لقد كتبوا الإسبانية بحروف عربية. تخيل مثلا أن تكتب “هاو آر يو”، فهذه لغة انجليزية بحروف عربية. المورسكيون فعلو شيئا مشابها. إذا أردنا الحقيقة فإن الاختراع لا ينبغي أن ينسب إلى المورسكيين، بل إلى المدجنين. وإذا أردنا الدقة أكثر فإن المدجنين ليسوا أول من كتب لغة بحروف لغة أخرى (رأيت شخصيا مخطوطة قبطية تفعل الشئ نفسه، لكن هذا موضوع آخر). الأدب المكتوب بهذه الطريقة يسمى الأدب الأعجمي أو “الألخميادو” كما يسميه بعض الباحثين. ومعظم الكتابات المورسكية كتابات دينية، ولذلك فإن مصطلح “أدب” مصطلح غير دالّ في معظم الأحيان. تعتبر الكتابات المورسكية مؤشرا على مستوى العلم بأمور الدين عند أولئك المسلمين. لا يستطيع أحد أن يتهمهم بالتقاعس عن أداء الواجبات الدينية، فقد ابتكروا الحيل حتى يتمكنوا من أداء شعائرهم، ورغم كل الجهود التي بذلوها فإنهم كانوا يسألون الله أن يغفر لهم عجزهم عن أداء فريضة الحج، وعن النزوح إلى بلد إسلامي (طبقا لرأى الونشريسى تعتبر الإقامة في بلد غلب عليه النصارى بمثابة تقديم العون لهم في حروبهم ضد شمال إفريقيا وتركيا) المشكلة تكمن في شيء آخر: لم يكن الموريسكيون على دراية جيدة بفقه الأولويات. أرهقوا أنفسهم كثيرا في وصف سجادة الصلاة، وخاطر بعضهم بحياته في سبيل الحصول على سجادة يصلى عليها. خلطوا خلطا شديدا بين الأحاديث الصحيحة والموضوعة، بل دمجوا عدة أحاديث في حديث واحد. لاحظ أيضا أن إسلام المورسكيين قد اختلف عن الإسلام في بلادنا، من حيث إنهم تأثروا بالمسيحية. المورسكيون يعتقدون أن سيدنا إبراهيم كان يعتزم ذبح إسحاق وليس إسماعيل، وهناك أثر مسيحي آخر في إسلام المورسكيين. كان المسيحيون الإسبان يزعمون أن سانتياغو ينهض من قبره ليحارب المسلمين، فإذا تحقق النصر عاد إلى قبره. تقول المخطوطة المورسكية إن عليا بن أبى طالب كان يشترك في المعارك، فإذا ما تحقق النصر للمسلمين عاد إلى قبره. لاحظ أن المورسكيين كانوا في عزلة عن العالم الإسلامي، وأن عدد الذين يفقهون أمور الدين كان يتناقص بمرور السنين.

أحلام المورسكيين

للكاتب المسرحي الإسباني كالديرون دي لا باركا مسرحية رائعة، عنوانها “الحياة حلم”، ترجمها الي العربية الدكتور صلاح فضل. في المسرحية بيت شهير يقول إن الأحلام تعكس أمنياتنا. وقد كانت للمورسكيين أمنية عزيزة، تتمثل في إنقاذهم من الوضع المأساوي الذي كانوا فيه. كانوا يحتاجون الي من يخلصهم، ولم تكن في العالم الإسلامي قوة قادرة على ذلك إلا الأتراك. كان الأتراك موجودين في الجزائر، وكانوا يرسلون سفنهم الي سواحل فالنسيا، ويحملون عليها المورسكيين القادرين على الوصول الي الشاطئ. لكن الأتراك كانوا يحاربون في جبهات متعددة، لا تقل أهمية عن الأندلس. مع ذلك، لم يفقد المورسكيون أملهم في الأتراك، وقد تحولت الآمال الى أحلام يراها المورسكيون في منامهم. كان أحدهم يقص رؤياه على أقرانه، وكان بعضهم يبوح بذلك السر لجاره وصديقه المسيحي، وكان الموضوع يصل إلى السلطات. كانت السلطات تعلم أن الاتراك لن يصلوا إلى اسبانيا، لكنها كانت تشيع الخوف من الأتراك، وتتهم المورسكيين بالتعاون معهم، كل ذلك لأسباب سياسية، كما يوضح ماركيث بيانويبا. سينتهي الأمر بنفي المورسكيين الي شمال إفريقيا، وسيصل عدد منهم الى بلاد أخرى، من بينها مصر.


هل الرواية العربية عن فتح الأندلس صحيحة؟

هل كانت الأندلس الفردوس المفقود؟

هل حدث الفتح الإسلامي للأندلس؟

أكذوبة تخلي آخر ملوك الأندلس عن حقوق المسلمين

المسلمون بعد سقوط غرناطة.. رؤية مختلفة عما دونه المؤرخون العرب

اليهود والغجر.. جسور الموريسكيين للخروج من محنتهم

المورسكيون ومحكمة التفتيش

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s