د. جمال عبد الرحمن
اللوحة: الفنانة الإنجليزية مارجريت ميري
ثورة المورسكيين أو ثورة البشرات (1568ـ1571) هي ثورة على تاج قشتالة قام بها مسلمو غرناطة الذين أجبروا على التحول إلى الكاثوليكية.
كان من الطبيعي أن تشتعل الثورة ضد نظام لا يقبل التفاوض، لا يقبل إلا الإذعان الكامل. لم يكن القانون يسمح بوجود غير الكاثوليك، أما من يدينون بغير الكاثوليكية فكان عليهم التخفي والصبر، انتظارا لغد أفضل، أو أقل سوءا. الشعب المورسكي كان قد فاض به الكيل، وكان ينتظر المنقذ، القائد الذي يتقدم المسيرة، أما القائد فكان ينتظر الفرصة المواتية. قال المؤرخون إن المورسكي فيرناندو دي بالور كان أحد الوجهاء (كل مدينة كان بها 24 وجيها)، وكان من حقه – نظرا لمكانته – أن يحمل السلاح (لم يكن من حق المورسكي العادي أن يحمل السلاح بحكم القانون) وفى يوم من الأيام أراد أن يدخل إحدى القاعات ومعه سلاحه، لكن الحارس أراد أن يجرده من السلاح حتى يسمح له بالدخول، فرفض فيرناندو أن يمتثل للأمر، وامتطى حصانه وقال للحارس “ستندمون”. لا يستطيع عاقل واحد أن يتصور أن شعبا بأكمله سيعلن الثورة لأنهم أرادوا تجريد فيرناندو من سلاحه. كانت أسباب الثورة موجودة، وكان الشعب ينتظر القائد، وكان القائد هو فيرناندو دي بالور الذي عاد أدراجه وأعلن أن الشعب المورسكي لن يعيش في ذل واستكانة، وهكذا بدأت شرارة الثورة. أما تحديد عدد المورسكيين وأماكن إقامتهم، وإبلاغهم بساعة الصفر فقد تولى أمر ذلك كله البغّالون. كانوا يتحركون بين القرى ويحصون عدد الرجال القادرين على حمل السلاح، ولما تحدد يوم اندلاع الثورة تكفّل البغّالون بإبلاغ المورسكيين بالموعد، في سرية تامة دون أن تفطن السلطات للاستعدادات. البعض يود أن يكتب قصائد عصماء في ثورة البشرات، لكن من يريد استخلاص الدروس عليه أن يعود إلى الوثائق حتى لا يكتب من وحي خياله. الحقيقة المجردة تقول إن عدة آلاف من المورسكيين لم يكن بمقدورهم أيضا أن يهددوا امبراطورية إسبانيا الفتية، بل لم يكن بإمكانهم شن حرب طويلة ضد الدولة. السّرية التامة جعلت من الممكن مفاجأة السلطات بالثورة، موقع البشرات الجغرافي هو الذي أطال أمد الحرب (قل مثل ذلك عن غرناطة التي تأخّر سقوطها عقودا). أخيرا جاء اليوم الذى أعلن المورسكيون صراحة أنهم مسلمون، وكان من الطبيعي أن يتخيروا من خصوصيات الإسلام أمرا يختلف به عن غيره من الأديان، فراح الرجل منهم يتزوج باثنتين (ربما لنقص عدد الرجال مقارنة بعدد النساء)، أعلنت البشرات الثورة، واختارت فيرناندو دي بالور –الذى عاد إلى اسمه القديم: ابن أمية – ملكا، ثم راح الثوار يجوبون القرى لكي تعلن الثورة وتنضم إلى المملكة الإسلامية الوليدة. عندما أفاقت السلطات وحرّكت قواتها لقمع الثورة، حدثت المواجهة بين جيشين ينتمي كل واحد منهما إلى عصر مختلف، من حيث التسليح ومن حيث تنظيم الصفوف (قل مثل ذلك عن الحروب الأخيرة التي خاضتها غرناطة بني الأحمر، ودعك من الحديث عن خيانة أبى عبد الله الصغير). بعض القرى تحمّست للثورة، يراودها الأمل في نصر هو بمثابة معجزة تخرق قوانين الطبيعة كلها، وكانت هناك قرى أخرى ترددت في الانضمام، ولسان حالها يقول: “جئت متأخرا يا زيد، ورجالك قليلون”. دخل كثير من المقاتلين الأتراك الحرب لمساعدة المورسكيين، واستخدمت الدولة الإسبانية سلاح الحرب وسلاح الدعاية، فتقاتل المستضعفون لمصلحة القوة الظالمة، وانتهت الحرب نهاية منطقية، وعاد المورسكيون منكسرين إلى قراهم.
أعود إلى موضوع الوثائق. صديقنا بونيس إيبارا ينشر محضر اجتماعات أحد المجالس البلدية في إسبانيا لكي يقف على تطورات الحرب في البشرات. المحضر دقيق إلى أقصى حد، يسجل كل شاردة وواردة، تشعر وأنت تقرأ الوثيقة كأنك تحضر الاجتماع المنعقد وتتابع الموقف في البشرات، أما نحن فلم نسجل شيئا، والشيء القليل الذي سجّلناه اختفى من خزائن محفوظاتنا، أو باعه “أمين” المكتبة بدراهم معدودة.
هل الرواية العربية عن فتح الأندلس صحيحة؟
هل كانت الأندلس الفردوس المفقود؟
هل حدث الفتح الإسلامي للأندلس؟
أكذوبة تخلي آخر ملوك الأندلس عن حقوق المسلمين
المسلمون بعد سقوط غرناطة.. رؤية مختلفة عما دونه المؤرخون العرب